لا تقاوم الطريق

أ. د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري

قبل ألفي عام صدر كتاب عن الصين يُعد من أشهر كتبها وأهمها على الإطلاق، وقد ترجم هذا الكتاب إلى كل اللغات تقريباً، إنه كتاب “لاوتسو” أي الطريق وقوته، وقد اعتبر هذا الكتاب أساس الديانة “التاوية”.

ورغم صغر حجم الكتاب؛ إلا أنه يتمتع بأسلوب جميل، ويحمل قدراً من الغموض يجعله قابلاً لكل أنواع التفسيرات والتأويلات.

وأساس الكتاب هو فكرة الطريق؛ حيث يبدأ بعبارة: “إن الطريق الذي يوصف، ليس هو الطريق الأبدي”، وهي عبارة يكتنفها قدر كبير من الغموض.

وكلمة الطريق وفقاً للثقافة الصينية هي طبيعة الأشياء، وهي الدلالة الأقرب لمعنى الكلمة، والتي تعني أن الإنسان يجب ألا يقاوم الطريق؛ إنما يجب أن يتعايش معه، فلو تأملنا انسياب الماء الذي يهبط من أرض مرتفعة لرأينا الماء يدور حول الأجسام التي تعترضه، وهي صورة تدل على أن الماء له طريق يسلكه، وله نظام يسير عليه لا يمكن مقاومته، وبالتالي لا نستطيع أن نوقف انسيابه، فالطريق المائي لا يمكن تحطيمه أو القضاء عليه.

ويشير الكتاب إلى ضرورة أن يكون الإنسان بسيطاً وأن يكون سهلاً لتنساب حياته في هدوء، وليس أبغض من العنف والطمع والجشع، وليس للإنسان أن يصلح العالم، وإنما يتوافق معه. ولذلك فإكراه الناس ودفعهم إلى التآمر وإلى الحرب هو الشر الحقيقي للإنسان. 

ولم يتفق المؤرخون على زمن ظهور هذا الكتاب وصاحبه “لاوتسو”، والذي يرى بعضهم أنه أسطورة ولم يظهر قط، وأن الكتاب هو مجموعة تعاليم أخلاقية نسبت إلى هذا الرجل.

والأمر العجيب أن هذا الكتاب صغير جداً، بل هو لا يتجاوز صفحة واحدة من أي كتاب من الحجم المتوسط، ولكن الأثر الذي تركه في كل المذاهب الأخلاقية والدينية في الصين كان واضحاً تماماً. ولا نبالغ إذا قلنا إنه لا يوجد فيلسوف صيني واحد لم يضع الكتاب أمامه متأملاً كلماته ومتمثلاً أفكاره ومبادئه.

إن التوافق مع الطبيعة والتوازي معها ومعايشتها وفق ما فُطرت عليه؛ صار من المنطلقات الأساسية في بعض نظريات علم النفس والفلسفة، حيث ترى فيه حكمة وتوفيقاً وراحة نفسية وسلاماً عقلياً واجتماعياً.

ومن القصص التي تعكس النظر للحياة ببساطة ما روي عن أحد المزارعين الذي كان يستخدم دلواً عادياً لسحب الماء من البئر، ولما رآه أحد العابرين سأله لماذا لا تستخدم الشادوف حيث توفر الجهد؟! فقال المزارع: “إن استخدام الشادوف يقود إلى الكسل والتراخي”. والقصة تعكس رغبة الحياة كما هي والعمل لذاته.

إنها مبادئ “لاوتسو” التي تؤمن أن الحياة تفقد إبداعيتها إذا تحولت عن طبيعتها.