الجمود الصرفي
د. أيمن العوامري | باحث في اللغة والأدب
الجمود عكس الاشتقاق؛ وهو مصطلح مشترك بين علمي النحو والصرف؛ ويعني في الأول الخلو من معنى الوصفية وانقطاع الصلة بالفعلية؛ فلا تتحمل الكلمة الضمير ولا تعمل عمل الفعل، ويعني في الثاني؛ أي: علم الصرف مجيء الكلمة على صيغة واحدة لا تتغير ولا تتبدل؛ كما هو الحال في كلمات؛ نحو: (ليس، عسى، نعم، بئس)، هذا إلى جانب الجمود الناقص؛ وهو ورود أكثر من صيغة من الكلمة دون اسيفائها جميعها؛ كما في الفعلين (يدع، يذر) اللذين استغنى العرب عن ماضيهما (ودع) (وذر) بمرادفهما (ترك).
أما أسباب هذه الظاهرة فهي -في رأيي- أسباب لغوية؛ كأن يقتصر اللغويون في الجمع على قبائل بعينها، ربما لا تشيع في لسانها بعض الألفاظ أو تعمل بمبدأ الاستغناء الذي تحدث عنه أيمة اللغة، وقد تكون الأسباب اجتماعية؛ كما لو كان لكلمة معينة مدلول عرفي مستهجن فيتحاشاه الناس في التخاطب؛ وهذه الظاهرة لها أمثلة كثيرة في العاميات المعاصرة.
وقد تكون الأسباب ثقافية؛ كما لو أن عادات بعض الأقوام تجعلهم لا يكادون يستخدمون بعض الكلمات، أو يستخدمون منها صيغة معينة؛ سواء أكانت الماضي أم غير ذلك.
لكن في الحقيقة هذه الصيغ المفقودة تكلم بها العرب القدماء، ووردت في قراءات قرآنية؛ ولعل أبرز الأمثلة على ذلك قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعروة بن الزبير قوله تعالى: {مَا وَدَعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3]؛ بتخفيف الفعل (وَدَعَ)؛ أي: ترك.
وإيمانًا منِّي بأن اللغة مشتركة بيننا وبين السابقين، يمسك بزمامها كل جيل، ويوجهها بحسب احتياجات عصره وثقافته وعاداته وأعرافه؛ فينبغي القضاء على ظاهرة الجمود الصرفي؛ من خلال استكمال فروع المادة اللغوية، وما يأبى الاستكمال، فليدرج في الحروف.