حوارية مع قصيدة لاعب النرد، محمود درويش
سامي مهنا | فلسطين
– إلى لاعب النرد-
تَقولُ لَنا ما تَقولُ لَنا
مثلَ صُدفةِ حُبٍّ
نراها بأجملَ ما خبّأَتهُ المَشاعِرْ
وإنّا اختَزَنّا رَحيقَ التَّذوُّقِ
والدَّهشاتِ الجَديدةْ
كَخشْبَةِ عِشقٍ
تُطَقْطِقُ فيها حِواراتُ نَردٍ
أصابَتْ بَعيدَ المَجازِ
الذي تَصطفيهِ مَهارةُ شاعِرْ
لتأتي القَصيدةْ
وقلتَ “بأنَّ القَصيدةَ رَميةُ نردٍ
على رُقعةٍ مِنْ ظَلامْ”
فكيفَ تَصيرُ الأَصابعُ وَحْيًا
وكيفَ يُضيءُ الكَلامْ
وإيقاعُ روحِ القَصائدِ
حِسٌّ وحَدْسٌ
ونَفْسٌ تعالتْ
إلى كشفِ سِرِّ الصَّفاءِ العَلِيّْ
فهلْ صُدفةٌ أم مَهارةُ جُهْدٍ
بأنْ ينتقيكَ المَجازٌ البَهِيّْ
كما يَنتقي وَحْيُ رَبٍّ
نَبِيّْ
تَقولُ لنا ما تَقولُ لَنا
مثلَ نايٍ حَزينٍ تَذَكَّرَ عَزفَ الرُّعاةِ القُدامى
على صَخْرةٍ في جِبالِ الجَليلِ
قُبَيلَ دُخولِ الجُيوشِ الذّينَ
أطلّوا مِنَ النَّصِ فوقَ الحِرابْ
لحرقِ الحَياةِ
على مَعْبدٍ مِنْ سَرابْ
تَقولُ لنا ما تَقولُ
وليلُ التَّأَمُلِ فيكَ يَطولُ
وإنَّ اكتمالَ القَصيدةِ ثَورةُ وَعيٍ
وغمرةُ كَشْفٍ
وصُدفةُ عَزْفٍ
تضيءُ القَوافي تُلّونُ روحَ البَياضْ
وإيقاعُها صرخةُ النَّبضِ عندَ المَخاضْ
تُطِلُّ المَعاني كَنورٍ يَشُقُّ الضَّبابَ
بغيرِ تَوَقُّعِ سَيرِ القَصيدةِ
مثلَ اشتعالٍ يُغيّرُ مَجرى الحَريقْ
وحُلمٌ يفيقْ
فضربَةُ نَردِ الكَلامِ افتِراضْ
وظَبْيُ المَجازِ اصطِيادٌ
ولَمحةُ صَقرٍ يُحلِّقُ في
غَمرةِ الشَّاهِقاتْ
ودقَّةُ زندِ المَهارةِ
رُمحُ اجتِهادٍ
وحَظُّ الرُماةْ
تقودُكَ نحوَ الكَلامِ المَآسي
وأفقٌ مُضيٌ مِنَ الذِّكرياتْ
وأوجاعُ ذِكرى
وعِشقُ الحَياةْ
جَمالُ امرأةْ
تَعِدُّ النُّجومَ وتَغسِلُ صَدْرَ التَّمني
بِعطرِ استِعارةْ
فتَمشي كَعزفٍ إليكَ
ولا دورَ للنَّفْسِ في أفقِ هذا الجَمالِ
وفي نورِ هذي
السُّطورِ العُطورِ البَّخورِ
المُعبَّقةِ الجامِحةْ
واشتعالِ العِبارةْ
سوى هزّةٍ في أعالي التذوّقِ
عند اكتمالِ الإشارَةْ
تُمَوِّجُ فِتنةَ أوجَ الكَلامِ
وحَرفُكَ يُصبحُ غارا
وتَنجو مِنَ البَحرِ حينًا
وحيناً تُحوِّلُك الجاذبيةُ عِشقًا
يُدروشُ في مَعبدِ الشِّعرِ
ريحًا ونارا
وحوريّةُ الرُّوحِ تَبقى تُنادي
تحنُّ إلى خبزِ تلك الطُّفولةْ
وتنقِذُ ذاكَ الحِصانَ الوَحيدَ
بعُشبِ التَّذكُّرِ
تُحيي الحُقولَ
وأمٌّ تَحِنُّ ليومٍ وُلِدتَ
كأنّكَ جئتَ بِوحْيِ البِشارةْ
وتبكي عَليكَ
لأنّكَ غبتَ رَحلتَ صُلبتَ
على خَشْبةٍ مِنْ غِيابٍ طَويلٍ
تغيبانِ في غَمرةِ الأبَدِيِّ
وتبقى تُحضِّرُ كلَّ صباحٍ
لابنٍ يعودُ بغيمِ القصائدِ
قهوتَكَ المُلهِمَةْ
وأنتَ تَمدُّ القَصائدَ جسرًا كما ساعديكَ
فتأتي إليها وتأتي إليكَ
تحنُّ إلى خبزِ أمّكَ حُبّاً
وأمٌّ تَحنُّ للمسِ يَديكَ
وتَشهدُ ما يَشهدُ الانكسارُ على المَجزَرةْ
وتَشهدُ ما يَشهدُ الانبِهارُ بِلَيلتِكَ المُقمرةْ
ترى ما تريدُ ولا تعتذرْ
بعينِ المثاليِّ قلتَ:
سماءٌ تسيرُ على خِيطِ نايٍ
وتَشهدُ في لحظاتِ الحَقيقةِ
كيفَ سماءٌ توارتْ
وحلمٌ يضيقُ وفيهِ المَدى ينكسِرْ
أيُّ أوجاعِ قلبٍ تُصيبُ
جمالًا وحُلمًا حَذِرْ
تخبّئُ في جانِحيكَ السَّماءَ
لأنّكَ تحملُ أرضاً تقاومُ إنْ تَنْتَظِرْ
تقولُ لنا ما تقولُ
تَغيبُ ويَبقى الذُّهولُ
وتمشي / وتَركضُ / تَسقُطُ / تَنهَضُ / تأبى / وترفضُ
تَشقى / وتبقى/ وترقى / تَقولُ / تَجولُ / تَصولُ / وتغرفُ/ تعزفُ
تُنفى / وتخفى / وتظهَرُ /
تعصِفُ / تقصِفُ / تُمطرُ / تُزهِرُ/ تُبهِرُ /
تصفو/ وتَشفى
تَصيرُ ضَميرًا لشَعبٍ وكَونٍ
ونَبْضٍ ودمْ
تُغَيِّبُ وجهَكَ عنّا مَجازًا
ولكنْ تُخيِّبُ ظَنَّ العَدَمْ
فمِثلُكَ لا يَحتويهِ العَدَمْ