المطالب المذلة للسودان مقابل تطبيعها مع ” إسرائيل “
عصري فياض | كاتب فلسطيني
عاد رئيس المجلس الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بعد زيارته الرسمية إلى دولة الامارات لبحث إمكانية التطبيع مع “إسرائيل ” ، مقابل مطالب حملها البرهان ووفده المرافق،والتي يتلخص أهمها برفع السودان عن قائمة الإرهاب، وشطب ديون السودان التي تقارب 65 مليار دولار، وضخ ما يقارب عشرة مليارات دولار لإنعاش الاقتصاد السوداني المنهك، عاد وصرح للصحفيين قائلا: “نأمل أن تكون هناك بارقة أمل في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب”، بينما قال رئيس وزارء حكومته الانتقالية عبد الله حمدوك “إن التطبيع يحتاج لنقاش داخلي عميق”، مطالبا بفصل شطب السودان من قائمة الإرهاب عن قضية التطبيع مع إسرائيل.
هكذا قال البرهان متفائلا في تصريحاته، بينما ما حمله لأبو ظبي لم يكن ليستجاب له، حتى ولا لنصفه ولا حتى لعشره، فمجلة “فورين بلسي” الأمريكية كشفت النقاب عما دار على طاولة المفاوضات بين وفد الولايات المتحدة الأمريكية والسوادنيين وبحضور إماراتي فاعل كون الإمارات بمثابة عرَّاب هذه المفاوضات، فقالت المجلة إن الولايات المتحدة تعهدت بتقديم 500 مليون دولار كدعم واستثمارات على أن يرد منها مبلغ 350 مليون كتعوض لذوي الضحايا الأمريكان الذي قضو في هجمات للقاعدة في كينيا وتنزانيا في العام 1998، عندما كان أسامة بن لادن يقيم على الأراضي السودانية ، بينما تعهدت الإمارات بدفع مبلغ 600 مليون دولار، أما إسرائيل فقد تعهدت بدفع 10 ملايين دولار مباشرة للخزينة السودانية!!.
ولم تكن هذه التعهدات بدون شروط، بل أن الوفد السوداني وجد أمامه سبعا وأربعين شرطا يتوجب على السودان القبول بها من أجل الحصول على المبلغ الذي لا يتجاوز مليار ومئة وعشرة ملايين، وعلى رأس هذه الشروط، ــ بالإضافة للتطبيع الفوري طبعا ــ أن يكون السودان مستعدا لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين من من دول جوار الكيان الاحتلال أو حتى من داخلها، وهذا الشرط يعني تصفية قضية اللاجئين، وهو شرط من شروط صفقة القرن، كما طالبت الجهات الثلاث أمركا والإمارات و”إسرائيل”عبر المفاوض الأمريكي قبول إبعاد مواطنين منها إلى السودان، وهذا تمهيد لإعادة العمل بعقوبة الإبعاد القسري والتهجير، ومطلب ثالث وهو تغيير بعض القوانين السودانية بما يتماشى مع السياسة الأمريكية، وخاصة قانون عدم قيام علاقات مع “إسرائيل” المعمول به في السودان منذ العام 1948، ومنح التواجد الأمريكي مكانا في موانيء وشواطيء السودان على البحر الأحمر، بغية مراقبة نقل الأسلحة من إيران إلى قطاع غزة عبر الموانيء السودانية كما تدعي “إسرائيل”، وتغيير بعض المناهج السودانية، وعدم السماح لاستثمارات الشركات الصينية واستبدالها بشركات أمريكية، وقبول السودان بمبدأ تعديل الحدود مع الدول المجاورة سواء كان ذلك مع دولة جنوب السودان أو مصر أو ليبيا.
هذه الشروط، وهذه المطالب التي سمعها البرهان، والذي يقود السودان الآن، والتي كانت لعاصمته الخرطوم إحتضان القمة العربية والتي عقدت في نهاية شهر آب من العام 1967، وخرجت بما عرف باللاءات الثلاث “لا صلح لا مفاوضات لا اعتراف”، اليوم تُسَاوَم السودان وتفاوَض على بيع مواقفها وقوانينها لشراء الرضاء الأمريكي والغربي بعملة التطبيع مع “إسرائيل”، وهذه المطالب المهينة التي طلب من السودان تنفيذها تمس السيادة الوطنية، وتطال الانتماء القومي والعروبي والديني لشعب السودان الذي تجاوز تعداده الثلاثين مليون نسمة، ويملك من المساحات الزراعية ما يكفي لتغذية الوطن العربي، كما أنه يملك محاصيل السمسم والصمغ العربي والثرورة الحيوانية والبترول والمعادن الطبيعية التي يعتبر معظمها لغاية الآن غير مكتشف بالشكل المطلوب، وأي محصول أو منتج من هذه المنتوجات إذا ما أدير بطريقة صحيحة بعيدا عن الفساد، يستطيع أن يدخل على البلاد أكثر من مليار دولار سنويا..
هذه المطالب هي بمثابة وصاية واستعمار جديد سياسيا واقتصاديا يراد لهذا البلد، فماذا يعني تواجد أمريكي في موانئه؟ وماذا يعني استثمار الشركات الأمريكية لثروات البلاد؟ وماذا يعني أن توافق السودان على قبول إبعاد فلسطينين ومن المعارضين الأمارتيين لهذا البلد مقابل مبلغ من المال؟ القصد منه إيجاد مكان بديل للفلسطينيين، والخلاص من قضية اللاجئين، يعني نقل الملايين حسب ما يفهم وهذا إن تم يعتبر تغييرا ديمغرافيا لتركيبة السودان!
وكذلك يُفهم مطلب تغيير الحدود مع جيران السودان، وهذا أيضا سحق للسيادة الوطنية، وتحضير الحكومة والشعب لإمكانية بيع أراضي السودان ومنحها جوائز لدول تدور بالفلك الأمريكي.
إنها مطالب وشروط المهانة والذل، مقابل ثمن بخس ومهين أيضا، المنح البخس وهو الإهانة حتى بقيمة المبلغ، والثاني التطبيع مع “إسرائيل”.
يجب أن يعرف العرب والمسلمين وكل من تسول له نفسه أن يكون جاهزا للتطبيع مع إسرائيل، أن الإمارات لم تمارس حقها في السيادة عندما طبعت بل هي كانت ولا زالت وستستمر كعرابة لهذا المشروع من منطلق إذعان وتحالف انقيادي، وأن الولايات المتحدة التي تريد أن تخرج بحزمة دول تطبع مع “إسرائيل ” على أساس السلام مقابل السلام لتوظيفها في دعايتها الانتخابية، ولتصنع من هذه الدول جغرافيا وديمغرافيا تابعة ومستغلة ومنهوبة من العام سام الأمريكي، وأنها تسعى لضرب تواصل إيران مع امتدادها الممانع في قطاع غزة عبر فصل التواصل بالسيطرة ومراقبة موانيء السودان من ناحية، ووجود الإمارات وإسرائيل على بوابة باب المندب في جزيرة سوقطرة اليمنية من جانب آخر… ولا نبالغ لو قلنا إن التطبيع مع “إسرائيل” لم يعد بدون دفع فاتورة باهظة من قبل المطبع العربي، بل عليه أن يدفع الكثير من سيادة وكرامته الوطنية وارضه وشعبه ومقدراته حتى يفوز بهذا ” الشرف ” العظيم !!!
إن هذه الشروط، وهذه المطالب المهينة، كفيلة بإحداث ثورة تغيير لأي شعب تُعرض عليه، وتساوم قيادته عليها، لأنها باختصار استعمار جديد بحب ورضى قيادة تلك الدولة.