حكايا من القرايا.. ” الفسدقيّ “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

أبو خلدون جلال الدين الفسدقيّ… سيد الإقطاعيين في منطقة الشمال، ومعروف باسمه وزعرناته وحكاياته في التاريخ الإقطاعي العام…
الفسدقيّ أكل حقوق العباد، وأكل مصاري بالفايظ (ربا) وأكل حقوق جيرانه، وأكل إخوته، وأكل الطريق، حتى حماره القبرصي لم يسلم منه… كان يعذب حماره…
حط ايده على الأراضي المجاورة لأرضه… والمجاورة للمجاورة… وجارات المجاورة، كان الناس في ضيق، ويرهن الواحد أرضه بصاعات بخسة من الذرة أو القمح… وعند عدم القدرة على السداد… ينفذ حكم الفسدقيّ فيها، فيضمها إلى أرضه…
الفسدقيّ نجس مثل الفأر، أينما ذهب نجّس… إن خبط في أرض، شلفها من أهلها عنوة أو من فقر… وإن رأى امرأة تحرّش بها، وإن رأى شجرة كلّف زعرانه بوضع الملح في شرشها حتى تموت… وكان يسمم الحيوانات بالقطّين المسموم…
يدب الفتن والشرور في الحارات… وبين الأهالي، بوساطة زعرانه، فإذا احتدمت الطوشات نزل وحلها…كان يوظف المخاتير…والمخظّرين، والفتّانين…والحرّاثين، والطقاريز (القطاريز) والرعيان … وكان يأكل حق الراعي، فما أن يطلب الراعي أجرته، حتى يطرده شر طردة… في قانونه فإن أجرة الراعي هي فتات من طعام يسد أوده… وكذلك الحراث، فلولا جلابون في الطريق سمعوا صيحات رجل في الأرض، ونزلوا فيها ليروا ما الخبر، حتى رأوا رجال الفسدقيّ يدفنون الحراث حياً… والفسدقيّ يتفرج عليهم…
يوم عض الحمار القبرصيّ صاحبه الفسدقيّ، ورفسه برجله، تداعت البلدة بأكملها شيباً وشباناً، رجالاً ونساءً إلى دار الفسدقيّ، يلعنون الحمار ويدعون بالشفاء للفسدقيّ في العلن… ويلعنون الفسدقيين جميعهم، ويشكرون الحمير الحرّة في سرّهم… والكل تمنى موتةً حميريةً للفسدقيّ… لكن اللعين له عمر، بقي في المشفى عشرين يوماً، ورغم دعوات الفقراء عليه، إلا أنه خرج مشافى معافى… ودشعت البلدة بأكملها حاملة محمّلة تهنئه بالشفاء… وبعد يومين من الخروج… ذبح الفسدقيّ خمسة عشر خروفاً، وأوْلم… أكل أهل البلدة، والقرى المجاورة، وصفقوا للفسدقيّ، ودعوا له وروّحوا…
في يوم صيفي، سرح الفسدقيّ (يشقّ) على أرضه منذ الصباح الباكر، ولم يعد في الظهيرة، افتقدته أسرته، وأعلنت عن غيابه، وانطبلت البلدة كلها تفتش عنه… مبعوثون إلى القرى المجاورة يسألون الناس عنه، ومفتشون عنه في أراضيه يبحثون… ولكن بلا جدوى… ظل الناس بلا نوم طيلة الليل… وظلّوا يجدّون في البحث… وعند ظهيرة اليوم التالي، اشتم بعض المفتشين رائحة كريهة من قطان في هيشه، تتبعوا الروائح، فإذا بطن الفسدقيّ منفوخ… وفمه مفتوح، والذباب يعسكر على وجهه… تظاهروا بالحزن عليه… ودفنوه، وكثرت الأقاويل حول سبب موته، منهم من قال: مات الفسدقيّ مسموماً، ومنهم من قال: انجلط… وقول آخر: رفش الحمار في بطنه وهرب… لكن الفسدقيّ مات ودفن سرّه معه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى