بَصَلٌ فى غرفة الإنعاش!

صبري الموجي | رئيس التحرير التنفيذي – عالم الثقافة

حرقٌ من الدرجة الثانية، تطلب نقله إلى المستشفى للعرض على الطبيب وتلقى الإسعافات، لم تمض سوى ساعة، إلا وكان بأحد المستشفيات الحكومية بمدينة بنها، إذ وصل إليه وهو فى حالة إغماء، استقبله قسم الطوارئ، وأجرى له الإسعافات الأولية، ثم وجّهه إلى قسم الحروق بالمستشفى للمتابعة والعلاج .

واحتراما لقسم أبُقراط، وللرسالة التى حملوها فى أعناقهم، أدى الأطباء دورهم المنوط وقاموا بواجبهم وفق الإمكانات المتاحة، إلا أن قصورا اعترى منظومة العمل بقسم الطوارئ، وألقى بظلاله القاتمة على ذلك المستشفى الحكومى الذى لا يختلف كثيرا عن باقى المستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية.

تمثل ذلك القصور فى : قلة الأطباء بقسم الطوارئ؛ مما عطل حركة العمل وزاد من آلام المرضى، بالإضافة إلى نقص المستلزمات الطبية، وافتقار الأدوات المستخدمة ـ بمستشفيات البسطاء ـ للتعقيم مما يسهم فى انتشار الأوبئة وتفشى الأمراض، فضلا عن وجود طاقم من الممرضات، لا يعرفن مايسمى ب(القفاز الطبى) الخاص بكل مريض؛ مما يجعلهن ناقلا جيدا للعدوى، ويعرضهن أيضا للإصابة بالأمراض، إضافة إلى أن أسرّة المرضى بالطوارئ ـ إلى جانب قلتها ـ تُعانى القذارة والإهمال، حيث تعلوها بقع من الدم تُدخل الفزع فى قلب المريض بمجرد أن يراها، فيفضل الخروج دون علاج على البقاء فى ذلك( المذبح)، ناهيك عن تناثر المستلزمات الطبية المستعملة من قطن وسرنجات وخلافه على أرضية القسم وبطرقات المارة بدلا من جمعها فى سلة المخلفات لإعدامها.

دفعتنى تلك الصور السلبية للسؤال : إذا كان هذا هو حال قسم الطوارئ الذى يجب أن يحظى بأكبر قدر من العناية، فما بالك بباقى الأقسام؟
ولأسبر غور الحقيقة، قمتُ بجولة تفقدية بين أقسام المستشفى بحثا عن إجابة السؤال السابق، فأفزعتنى مجموعة من السلبيات تمثلت فى : حجرات للمرضى بباقى الأقسام تُعانى سوء النظافة؛ مما أدى إلى كثرة الحشرات والذُباب الناقل للعدوى،  أسرّة للمرضى أكلها الصدأ، عليها مراتب بالية عششت فيها الفئران فأقضّت مضاجع المرضى، وجعلت النوم يُجافى عيونهم، ملائكة للرحمة استحوذ عليهن شيطان الإهمال؛ فانشغلن عن المرضى ولم يُقدمن العلاج فى مواعيده المُحددة، حمامات تعطلت بها صنابير المياه، وأغفل عنها عمال النظافة، ففاحت منها روائح كريهة، جعلت البقاء بالمستشفى عقابا أشد من ألم المرض، طرقات بالأقسام ازدحمت بذوى المرضى، جلسوا يتناولون الجبن والبصل والفلفل الحار، وحتى لا يشعر مريضهم بالحرمان، ربما أطعموه معهم رغم خطورة ذلك على صحته، غُرف للعناية المركزة لا تُرَاعى فيها مواعيدُ الزيارة، يكثر فيها الصخب والجلبة، مما يُعجل بموت نزلائها لا شفائهم.

كل هذا فضلا عن عدم توافر العلاج والدواء، الذى يُجْبَر ذوو المرضى على شرائه من خارج المستشفى، وبجرعات أكثر من حاجة المريض، ليتم بيع الفائض لمرضى آخرين، وفي حالة اعتراض أحد بحجة أنه لا يملك ثمن العلاج، يكون اعتراضه مسوغا لترك مريضه جُثة ينهشها المرض ويفترسُها الموت .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى