د. وسام مهدي في قراءة ناقدة لقصة ” أصوات مؤلمة ” لليمنية شذا الخطيب
أولا – قصة: أصوات مؤلمة
جلس في الصالة على كرسيه يدخن سيجارته؛ ينفث بعمق. ليست من عادته التدخين بشراهة، إلا وكأنه يريد إحراق نفسه. يسمع بعض حركات تصدر من غرفة النوم يرافقها بكاء مكتوم، جلس دون حركة، وكأن ما يسمعه أمر بديهي عليه تقبله. لم يتجرأ على البوح بما يدور في خاطره. هل حقا هذا ما يريده أم أنه لا يرغب به؟ ظل في مكانه وكأنه أصابه العجز بأراداته. أغمض عينيه متصورا ماذا يجري في الغرفة. تمسح دموعها بمحارم عديدة ملأت الغرفة بياضا. أنزلت الحقيبة من فوق الدولاب. بدأت بإخراج ملابسها منه. قامت بفتح الأدراج. يسمع أصواتها تفتح وتقفل. حتى ساد بعض الهدوء، فصمت مطبق . إلى أن سمع صوت كعبيها يسيران ببطء، يطرقان بقوة . أخذت الخطوات الثقيلة تقترب إليه . رآها بكامل زينتها وعطر قوي ملء انفاسه . لم تنظر له، لكنه تمعن بالنظر إليها. جلس لم يحرك ساكنا يمنعها فصمته حمل وجوها عديدة لم يعرف أي الوجوه تليق بها. فتحت الباب تحمل حقيبتها، ورحلت.
أغلقتْه بقوة. أفاق بعد خروجها من ذهوله، انتابه شعور بهدوء قاتل بعد سلسلة من الأصوات المتلاحقة. صوت انفاسها، صوت الحقيبة. صوت الادراج. صوت الخطوات، صوت الباب. . صوت بكاءها أ كانت تبكي حقا ؟! لم يلحظ ذلك اثناء خروجها. اختلطت الأصوات عليه ، واختلطت الذكريات ما بين عشق قديم ، وحاضر يحمل النفور منها.
حادثة اغتصاب تعرضت لها قلبت عليهما حياتهما، وكان السبب في مأساتها. اخطفت تحت تهديد ليتنازل عن قضية كانت في يده باعتباره محاميا بارزا . عادت له رغم ظل كل شيء في مكانه، لم تغير الكثير من ثيابها، وظلت عطورها كما هي، ولم تعد تسرح شعرها، وعلا الغبار الطريق بينهما. كلما أراد نفضه واجهته عاصفة تذكره بالحادث، وكلما ابتعد عنها حن القلب لها وتذكر عشقا مضى انبت بينهما جمالا . تجاوزت محنتها وزينت الفراش بالورد ولكنه ملء شعورها بالشوك. ما بين شعوره بالذنب والحب، وما بين نفوره منها . رويدا رويدا قتل حمامة كانت تؤسس عشا بينهما . اثرت الرحيل على حياة تغتصب فيها كل يوم. بعد غداء كاد أن يكلمها، ويرد على أسئلتها بتململ حزمت حقائبها ورحلت. أغمض عينيه يفكر بها ماذا عليه أن يفعل هل يأخذ سيارته مسرعا ويعود بها أم ينتظر؟ نظر إلى هاتفه وفكر هل يرجعها إليه أم يطلقها؟!
ثانيا- القراءة النقدية للأستاذ المساعد الدكتور.وسام مهدي كاظم
قصة ( أصوات مؤلمة ) ….الاختيار الصعب ؟
وأنا اقرأ وبتمعن شديد هذة القصة، خطر لي أن أقف طويلا، أمام هذة الأديبة الجريئة وهي تطرق موضوعاتاجتماعية، مهمة جدا وخطيرة وذات بعد إنساني واجتماعي وفكري تنويري متقدم.
والثيمة لهذة القصة هنا هي ببساطة (حادثة اغتصاب لامرأة، كدرت حياتها الزوجية وتحطمت وهدمت هذة المؤسسة الجميلة ( العائلة).
استندت القصة الى مكونين أساسيين هما العلامة الدلالية والعلامة الإنشائية من خلال مونولوج سردي واقعي يحملنا الى عوالم نفسية وعاطفية بين الرجل والمواءمة بسبب حادث لعين قد حصل للمرأة ، وتحيلنا الأديبة المبدعة الى البحث عن مفاتيح من اجل فك رموز الواقعة (الاغتصاب)، وهذا بدوره يقودنا الى أفق التوقع للتشخيص وفق مرجعيات المتلقي ودرجاته المختلفة (متلقي هاو، وفطري ومتلق محترف ءومتلقي متخصص).
مما يجعلنا أمام ديناميكية حضارية تصورية عاطفية غارقة بالانفعالات ، وفي مفترق طرق لمرجعيات المتلقي المعرفية والجمالية والحياتية
ان هذة القصة ذات القيمة الجمالية العنيفة في هز مشاعر المتلقي ، فيها قصدية واعية ، لها أهداف سامية وغايات اجتماعية قبل الحادثة ء وما بعد الحادثة؟.
للوصول الى الحل ؛ تضع الأديبة الموضوع أمام المتلقي مباشرتا ً وتنتظر منه الجواب واتخاذ القرار بشجاعة.
والسؤال الإشكالي هنا ؟
ماذا لو قلبت المعادلة/ بمعنى ماذا لو تمت عملية الاغتصاب للرجل ؟ فهل سترفضه المراءة.؟!!
فهل سوف تضحي المرأة بحياتها العائلية وملكتها وزوجها وبيتها؟ بسبب حادثة لعينة أتت عليهم من حيث لا يدرون؟
إن اشتغالات الأدبية (شذى الخطيب) على موضوعة في قصتها تتسم بالغموض والجدل والقراءة الجديدة لخلق رؤية مغايرة في تطور الحدث الغامض الذي لم يعرف تفاصيله داخل الموضوع.
لقد شعرت بالتسامي الجمالي وأنا أقرأ وأكتب عن هذه القصة حيث نقلتني الأديبة من الواقعية الصرفة إلى التعبيرية دون المرور بالرمزية.
إن التحولات الحسية والعاطفية، تمر عبر أبعاد مغايرة الآخر، وتفكيك أنظمة الأفكار الخاصة بالمتلقي، لتغطية مساحة تأويلية مفتوحة، عبر مغايرات وتعديات الثيمة الرئيسة في بؤرة الموضوع.