جنازة جديدة لعماد حمدي: هنا وجه البلد الخفي
باسم الجنوبي | ناقد مصري
الكتابة عن الكتب الجيدة التي نقرؤها فعل رائع للتعريف بها وتوسيع مساحة مستحقة لها وسط غثاء غيرها، لكن الكتابة عن رواية الروائي وحيد الطويلة بعد قراءتها أمر واجب ورد لجميل متعة الدخول في عوالم مختلفة لا يصنعها غيره.
من روائع وحيد الطويلة التي حجزت مكانُا جديرًا بها في روائع الرواية العربية رواية “جنازة جديدة لعماد حمدي” قصة لعوالم سرية مكتملة الحبكة والألوان، قصة أنثربولوجيا واجتماع مصري مسكوت عنه، يسردها عبر عشرات الشخصيات التي تظهر بسلاسة لتروي عالم المُسجلين خطر وفاسدي الوزارة والمتعاونين معهم، يستعرض سجيتهم وطبائعهم وعوائدهم وأسلوب حياتهم من طريقة عملهم إلى أكلاتهم ونوع سجائرهم ومخدراتهم!
الرواية أكثر من كونها حبكة تحكي عن علاقة بين ظابط ورائد أعمال البلطجة وكبير المسجلين خطر في تخليص الأشغال وإنهاء القضايا، لكنها بيان شديد اللهجة لمجتمع تنخر فيه بؤر الفساد الحاكمة والباقية والمتوارثة.
هنا يتناول وحيد أبطال هذه البؤر بلا أحكام عليهم ليحكي ما حدث ويحدث برواية شاعرية عبرها عشرات الجمل الذهبية التي يمكنك اعتبارها اقتباسات تخلد مائة عام، أقف عند هذه الجمل مندهشًا وقاطعُا للقراءة قائلًا “يا دين النبي..جاب الجملة دي إزاي؟!”
الرواية تصف الفعل والفاعل والمفعول به ومشاعرهم جميعًا، وكأنها فيلم سينمائي متعدد الأبعاد حول أقبية التحقيق وكواليس القضايا، رؤساء حكومة الظل، مقاهي السادة شاهدي الزور، المستشارين الثقافيين لشؤن الحشيش، حرّاس المجال الجوي لغرز المخدرات، سمسارة توزيع النسب الشريف على سادة البلطجة والمهوسيين، تُجار البودرة الوطنيين، المؤسسين الأوائل لجمهوريات المسجلين خطر، دولة المخدرات الثورية داخل دولة البلطجة العميقة، اتحاد جمهوريات الفساد، مدير عام الخناقات، طبائع حرملك نساء المسجلين، مدير الحملات الانتخابية البلطجي، بائعي الشرف بكل شرف ومعهم باعة الأبناء بكل ضمير والممارسين للخيانة بكل وفاء، البلطجية المتدينين، سفيرات البغاء الشقيانات، أولي العزم من النشالين، وغيرها من فضاءات لا تدخلها الكاميرات ولا يُحسن وصفها إلا خبير بالحياة والتعبير عنها، وقد فعلها وحيد.