الأمريكية لويز غيلك نوبل وشعرية العرب

عمارة إبراهيم | شاعر وناقد مصري

لويز غيلك شاعرة أميركية ولدت عام 1943 في مدينة نيويورك، حصلت علي نوبل للآداب هذا العام وقد عبر عن أسباب فوزها أحد المسؤولين عن منح الجائزة وقال” إنها الصوت الشعري الذي لا يخطئ “.

وهي في معظم أعمالها الشعرية تلعب علي أوتار العاطفة وأثرها وتأثرها علي الإنسان كما تحلق شعريتها في فضاءات الهم العام والخاص في لغة الفن الذي يتكئ علي الرمزية لكنها الرمزية التي تتوافق مع لغة الأحوال في سرد شعري تتناغم فيه قضايا الإنسان الخاصة والعامة

لكن السؤال الأهم:

هل هذه الكتابة في تجلياتها الفنية تتجاوز حدود الإبداع الشعري في العالم الذي اعتدنا علي قراءته علي مستوي تعددية الثقافات واختلافها وعلي وجه الخصوص الشعرية العربية؟!.

الإجابة لدي أن الشعر في أميركا الجنوبية له خصائص فنية تتجاوز فنية هذه الكتابة عند لويز غيلك وأيضا في أميركا نفسها وفي أوربا وتحديدا الشعر الإنجليزي والفرنسي؛ فهي تعتمد في كتابة الحال علي بساطة اللغة والإيقاع الذي يتناغم في توافقية التراكيب والعناصر ومع رمزية فاعلة متجانسة لكنها غير فائرة لكتابة تتوغل بين مسامات الهم الإنساني في سياقاته وفي قضاياه المختلفة في بنيتها الشعرية العامة ومكوناتها وتجانسها مع كل مكوناتها وعناصرها.
أو بمعني أدق شعرية لويز تفتقد التواتر الحركي الدرامي في الكثير من القصائد الذي يمنح تفردا استثناء خاصا.

وعندما نوجد مقابلة بين هذه الشعرية وبين الشعرية العربية التي تموج أرضيتها في صراعات إنسانية حادة عرقية أو قبلية أو استعمارية لن يملك أحد التوغل في دم شرايينها العضوية غير المبدع العربي وقد تحقق منها هذا التواتر الحركي والدرامي ومشحوناته التي رسمت شعرية إنسانية مغايرة ومتفردة. 
وربما كان الإبداع الشعري العربي الذي ظلمته المنابر الإعلامية والنقد العربي عندنا من خلال المعارك الوهمية التي طمست معالمه وبنيته وأحواله وقضاياه التي أنتجت شعرية متفوقة عند بعض الشعراء العرب الذين يتابعون شعرية العالم في بيئتها وزمنها وعبر ثقافاتها المختلفة.
فقد أنتجت خللا كبيرا على منابره بسبب العمودي والتفعيلي والنثري والابتعاد عن الخصائص في الكتابة الحديثة التي تعتمد علي إنتاج الفن وتفرده من خلال الأحوال العامة وعناصرها وادواتها وعوالمها المنتجة لهذه الشعرية.

كما أن بعض الشعراء العرب الذين اهتموا بالجوائز العالمية ومنها نوبل وحولوا كتابتهم إلي منابر ذهنية يتحقق منها مادية فن الشعر بزيف الإدعاء والمعايشة لبيئة شعرية مغايرة لم ولن تتوافق مع بيئتنا العربية ولا لغتنا العربية.

بالطبع هنا تظهر المواهب وخبراتها وقد أغلقوا عليها حاراتها ومنابرها بسبب تقديسنا للثابت وللنظم الشعري الذي أودي بحياة النقد الأدبي قبل حياة هذه الشعرية التي كان يجب أن تتباري مع منصات الدرس والنقد و الأخذ بزمام التطور المنشود للشعرية العربية.

إن تفكك أرضية الشعر العربي وتحيز النقد الأدبي والدرس الأكاديمي إلي ثابت اللغة وثابت الإيقاع وثابت وحدة الموضوع وثابت تقديس النقل والاعتماد علي المصادر من دون تحليل بحثي مبني علي تحقيق نتائج تتوافق مع البيئة والزمن والثقافة وتطور بنية اللغة والقاموس في اتساعه وتوافق اللغة مع بنيتها وتراكيبها وأحوالها وإيقاعها …إلخ. 
كل هذه كانت الجرائم وكانت كفيلة بابتعادنا عن مبارزة الشعرية في بيئتها الغربية والجنوبية وقد تجاوزونا في التطور بما يصل إلي أكثر من مائة عام وللأسف لا زلنا في عراكنا.

لن تقف الشعرية العربية في مضمار الجوائز العالمية رغم محاولات أدونيس التي أضرت ب إبداعه قبل شخصه.

لكنني أؤكد علي أن الشعرية العربية في أقلام قليلة جدا ربما تجاوزت بفنها شعرية الغرب رغم الحرية التي تتحقق لكتابتهم ورغم اهتمام المنابر الإعلامية والثقافية الرسمية وغير الرسمية عندهم
ونحن هنا لا نزال نعيش تصنيفات المبدع بالأيديولوجيات والانتماءات لمدارس أصبحت مخلدة في متاحف الشعرية العربية ولا نستطيع تجاوزها
ومن يتجاوز يذهبون به إلي الجهل بعلوم “الفيسياء ونواقض الخليل ونظم البلهاء”.

ملحوظة:

نسيت أن أذكر هنا أيضا كم الأمراض التي يعانيها المبدع العربي الحقيقي أيضا من أمراض الحاقد والمدعي والمتعالي من أبناء أوطانهم الذين تربوا علي موائد غير حقيقية ولا يعبدون إلا ذواتهم وكتاباتهم المنسوخة أو المنقولة أو المنظومة!
__

من أجواء شعرية غيلك من قصيدة بعنوان:

“بورتيريه”

ترسم طفلة إطار الجسد
ترسم ما تجيده، الإطار الخارجي فحسب، أما الباقي فيملأه البياض
لا تستطيع الطفلة ملء ما تعلم أنه كائن هناك
تدرك أمها، داخل خطوط الإطار الهشة
ليس من حياة
لقد فصلت بين الاثنين
وكطفلة تلتفت الأن إلي أمها
وها انت ترسمين القلب
في الفراغ الذي صنعته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى