حقيبة الذكريات

حورية محمد – فلسطين | سوريا

الصباح يسرع الخطى، يهوي على جذع الشارع، ينهض ينفض الغبار عن ملابسه ويواصل المسير.

  سلام تسابق خطواتها نسائم الصباح المتهادلة على وجهها، قلبها ينحرف يميناً ويساراً، يصعد يهبط. حقيبتها تحاول الإفلات من كتفها وملامحها تتغير بسرعة. لم تعد تعرف نفسها؛ لحظات غريبة اجتاحت كيانها وبعثرت كل أشيائها، حتى عطرها بدا في حالة قلق، فهناك موعدٌ في حديقة الزهور عند الساعة الثامنة صباحاً مع محمود، موعدٌ رتبته البارحة أثناء تواجده معها في مركز عملها. جلسةٌ قد تكون تاريخيةً بامتياز!

   تحضر سلام إلى الحديقة قبل الموعد بنصف ساعة، تجلس على الكرسي الحديدي مراقبة حركة المارة الكثيفة؛ الكل ذاهب إلى عمله، أطفال المدارس يحملون حقائبهم المدرسية ويسابقون الزمن وأحلامهم الطريَّة، وعطر النساء والرجال يزاحم الشوارع ويختلط.  سلام تبدو مرتبكة لتأخر الوقت، تنظر إلى ساعة يدها المرتجفة، تراقب الشارع من بعيد، تمعن النظر جيداً، وإذ بها ملامح محمود تطلُّ متفردةً وسط هذا الكمِّ من الوجوه. يقترب أكثر ويتغير لون وجهها. يلقي محمود بكل حب عليها التحية فترد سلام.

“أهلاً وسهلاً”، يقول لها. “أنا آسف لقد تأخرت عن الموعد كان لدي عملاً ليلياً، فأنا أعمل في الزراعة، ومن كثرة التعب لم أستيقظ باكراً!”.

تقف سلام وتعتذر من محمود لتخبره بأنها تأخرت على عملها ولا تستطع البقاء، طالبة منه تحديد موعدٍ آخر

في اليوم التالي وفي نفس المكان والتوقيت، فوافق محمود فورا على طلبها. بعد ذلك، عرضت سلام على محمود فكرة مرافقتها إلى مركز العمل ليشربا القهوة. وافق محمود بتردد وسالها بأي صفة ساحضر معك ، لتجيبه سلام بأنها ستتدبر الأمر لذا لا داعي للقلق.

   وصلا إلى مكان عملها؛ ماذا ستقول سلام لزملائها في العمل عن محمود؟فكرت قليلا وبحركة تلقائية بديهية، قدمت سلام محمود لصديقاتها على أنه أبن خالتها، وأخبرتهم بأنها تريد التحدث معه بموضوع في غرفة العمل. باشرا بالحديث عن نفسيهما؛ أخبرها محمود عن واقعه،عمله وظروفه، وهي بالمثل أخبرته بوضعها وأنها محطمة من الداخل، تبحث بين أكوام الخيبات والخوف عن أمل وأمن وأمان، ما رأته إلا في وجه محمود. محمود بدا مشوشاً فكرياً، لكنه تمالك نفسه وأخبرها بأنه يحبها، إلا أن أمراً ما يشغله، لم يستطع إخبارها به. وقبل أن يهم بالمغادرة قال لها: سلام، لقد أخذت حيزاً كبيراً من  قلبي لكن عقلي مسكون  بالحسابات الكثيرة.  ردت عليه سلام: سيأتي اليوم الذي أسكن عقلك وقلبك! وسيفتح القدر لنا صفحة في دفتره و سنمضي العمر سوياً.

باتت سلام تعد الساعات لترى محمود مجدداً على أمل أن يكون هناك لقاءات جميلة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى