قصائد تبحر في فضاء الذات في بيت الشعر بالشارقة
إمارة الشارقة | بيت الشعر
ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء، أقام بيت الشعر في دائرة الثقافة بالشارقة مساء يوم الثلاثاء 19 أكتوبر 2021 أمسية شعرية شارك فيها كل من السيّد رمضان السيّد من مصر، وقمر صبري الجاسم من سوريا، وسعيد معتوق من الإمارات، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير البيت وعدد من محبي الشعر والثقافة، وقدمها الدكتور هيثم الخواجه، الذي قدم الشكر لراعي الثقافة على دعمه الأدب وجعل جذوته مشتعلة متصلة، وشكر دائرة الثقافة وبيت الشعر على مواصلة العطاء رغم الظروف الصعبة.
افتتح القراءات الشاعر السيد رمضان السيد بقصائد جزلة المعاني، عميقة الرؤى، تبحر في فضاءات تأمليّةٍ ترصد مشاهد الذات التي لا تنفصل عن محيطها وأحداثه، والوجود وتأملاته، وقرأ من قصيدة “فصل من سيرة التكوين”:
فِي سَحِيقِ الْأَحْلَامِ زُجَّتْ سَفِينِي
تَمْخُرُ الشَّكَّ نَحْوَ شَمْسِ الْيَقِينِ
عَدَمًا كُنْتُ أَوْ حَقِيقَةَ مَعْنًى
قَدْ تَعَرَّيْتُ مِنْ مِيَاهِي وَطِينِي
جَدَّ بَرْدُ الْحَيَاةِ فَارْحَلْ وَخُذْنِي
يَا خَيَالَ الرُّؤَى لِدِفْءِ حَنِينِي
وَانْتَشِلْنِي فَبَعْضُ حُزْنِي ضَيَاعٌ
وَارْتَحِلْ بِي إِلَى نَعِيمِ جُنُونِي
لَمْ تَدَعْ لِي الْأَيَّامُ غَيْرَ سُطُورٍ
قَاحِلَاتٍ فِيهَا زَرَعْتُ ظُنُونِي
ثم واصل ليقرأ نصّاً مراوغاً في استهلاله، ذاتياً في بداياته، لينتهي بمعنى عميق ارتبط بانتماء الشاعر لعروبته وقضية أمته وهو ما باح به في “موعد مؤجل” ومنه:
لَا الْيَوْمُ مَوْعِدُنَا وَلَا الْأَمْسُ
وَمَرَاكِبِي فِي الشَّوْقِ لَا تَرْسُو
تَعِدِينَنِي فَأَمُوتُ مِنْ وَلَعٍ
وَتَمَنَّعِينَ فَيَنْبُتُ الْيَأْسُ
وَأَخَذْتِنِي بِجُنَاحِ مَنْ غَدَرُوا
مَنْ ظَلَّ يَجْمَعُنِي بِهِمْ غَرْسُ
الْمُشْتَرِينَ وَعَهْدُهُمْ كَذِبٌ
وَالْبَائِعِينَ وَبَيْعُهُمْ بَخْسُ
كَمْ بِتُّ أَرْقُبُ فِيهِمُ أَمَلِي
سَحَرًا فَلَمْ تُولَدْ بِهِمْ شَمْسُ
الشاعرة السورية قمر صبري، تقف لأول مرة على منبر البيت لتطلق عصافير بوحها في فضاءات التجلي، وتلتحم بمواجدها مع الجمهور الذي حضر احتفال القصيدة في البيت، لتبدأ مع تساؤلات الشاعر الذاتية التي لا تعرف النهاية مثلما لا تعرف البداية وهي تطارد الأمنيات بطموح متقد، ومن قصيدة “أمنيات ضفيرة”:
ماذا سأفعلُ إن أنا، لم أستطعْ تضميدَ وَجْديَ والحنانَ؟
وإنْ رأيتُكَ لمْ يبُلَّ الشوقَ في روحي
ولمْ يشفِ اللقاءُ الانتظارْ؟
إنْ لمْ ألملمْ شملَ حزني حين تقبِلُ، أو سيغلبُ فرحتي خوفٌ مِنَ البُعدِ الجديدِ
وأنتَ للأحلامِ دارْ؟
قلْ ما عسايَ غداً سأفرحُ إنْ رأيتُكَ، وارتميتُ بصدْرِ بُعدِكَ شهقةً
وبكيتُ نارْ؟
وبعد أن أخرجت ما في حقيبة الذكرى وما باحت به مرايا الشوق والوجد، توقفت عند “ليلى والجسر” وما قيل في الدرس، لتسرد واقعاً أليماً لا يزال يعيش في ذاكرة الزمن الذي لا ينسى، ومن أجواء نصها:
كنتُ أمشي فينبضُ، مِنْ تحتِ رجليَّ قلبٌ، ولو أنَّهُ مِنْ جمادْ
ماهرٌ بالكسلْ، هادئٌ بالعملْ
لا إجازةَ تُعطى لهُ كي يجوبَ التواريخَ
مهنَتُهُ وصْلُ هذي البلادِ بتلكَ البلادْ
صدْرُهُ للسماءِ فأخجَلُ من صمتِهِ .
حين يهتزُّ أقفزُ، ثمَّ يُشيرُ اتّزانُ عواطِفهِ للهدوءِ
كحُبٍّ يشبُّ ويخمدُ مثل الرّمادْ
ليختتم القراءات الشعرية الشاعر سعيد معتوق بنصوص تختصر الطرق، لتعبر عن خطوات الشعور بلغة سلسة تلامس أوراق العاطفة بحنو، وتميل على معطف التجلي والروحانية بخفة، ومن أجوائها قرأ نص “النفس تعلم”:
وُجُـودُنَا مَا الّـذِي يَـعـنِـيهِ ؟ هَـلْ عَـبَـثًا
جِـئْـنَا الَحَـياةَ وَطُـفْـنَا الغـربَ وَالشَّـرقا ؟
وُجـودُنا رِحـلَةٌ في الْأَرضِ قَـد خُـلِـقَـت
يَـوْمًا سَـيَـخْـتِـمُها مَـنْ أَحـسَـنَ الْخَـلْـقـا
يـومُ الحـسابِ مـصـيرُ الْخُـلْـدِ فـيهِ يُـرَى
قَـد فـازَ مَـنْ نالَ مِـنْ نارِ اللـظَى عِـتـقا
الْعِـزُّ وَضَّـحَ رَبُّ الْكَـوْنِ مَـسْـلَـكُـهُ
ما خـابَ مُـسْـتَـمْـسِـكٌ بِالْعُـروَةِ الْوُثْـقَى
ثم واصل قراءاته على ذات الطريق الذي لا ينفصل عن رؤية الشاعر للحياة وارتباطها بخالقها، وعن الإنسان ومآله، ومن قصيدة “أخي في النائبات” قرأ:
حـياةٌ دونَ إيـمانٍ كَـأَعـمَى
بِلا مَـنْ قـادَهُ لِبُـلُـوغِ مَـرمَى
وَرَبُّ الـكـونِ يَـعـلَـمُ كُـلَّ شَيْءٍ
وَلَمْ تُـحَـطِ الْبَـرِيَّةُ بَـعـدُ عِـلْـما
فَـإِنْـسـانِـيَّـةُ الْإِنْـسـانِ تَـحـيـا
إِذا اتَّـصَلَت بِـرَبِّ الـكـونِ دَوْما
إذا رَبُّ الخـلـيـقـةِ عـنـكَ يرضَى
فَـلَـيْـسَ رِضا خـليـقـتِـهِ مُهِـمّا
في ختام الأمسية كرم محمد البريكي الشعراء ومقدم الأمسية.