الصلاة المسروقة

عصري فياض | كاتب فلسطيني

قام وفد إماراتي مكون من عشرة أشخاص بينهم سيدة بزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه قبل أيام، كأول وفد إماراتي يمارس التطبيع عمليا بعد توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل”، ولم تكن تلك الزيارة باللافتة إلى حد كبير لولا برتوكولاتها ومساراتها التي تثير الدهشة والاستغراب وكأنها تؤسس لنظام جديد في دخول المطبعين العرب لزيارة المسجد الأقصى بلباس “توراتي”، أو حسب خارطة طريق تلمودية، وذلك حسب الحيثيات التالية:

أولا: هذا الوفد الإماراتي هو الأول الذي “يدش” المسجد الأقصى مطبعا، بعد توقيع الاتفاقية بين إسرائيل والإمارات والبحرين.

ثانيا: الوفد الإماراتي تجنب اللباس الإماراتي التقليدي، الدشاشة والحطة  البيضاويين والعقال الاسود، وارتدى الزي العادي حتى لا يلفت الانتباه؛ فصورة السعودي المطبع الذي دخل باحات الأقصى مطبعا العام الفائت، وما لاقاه من المرابطين في المسجد لا زال حاضرا في الذاكرة.

ثالثا: الوفد المذكور انتقل من مكان إقامته بسيارات وزارة الداخلية الإسرائيلية بحراسة من شرطتها ومخابراتها، ولم يقم بنفسه أو لوحده بهذه الزيارة، وهذا يعطي أهمية هذا الوفد وطبيعة العلاقة التي يريدها أن تظل رسمية ومن قبل دولة الاحتلال حتى في الأمور الدينية والعقائدية.

رابعا: الوفد دخل من باب السلسلة وهو الباب الذي تعودت مجموعات المستوطنين اقتحام المسجد الأقصى منه وتنفيذ صلوات مستفزة للمسلمين، وشتم وسب المصلين هناك والتوعد بهدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، وهم بذلك ــ أقصد الوفد الإماراتي ـــ أراد أن يشارك المستوطنين مسارهم المعتاد لدخول الأقصى مغايرا لجميع الأبواب التي يدخل منها الفلسطينيون والعرب والمسلمون.

خامسا: لم يدخل الإماراتيون المسجد الأقصى، بل دخلوا  باحاته، أو جزءا من باحاته، وأدوا الصلاة في قبة الصخرة، وهو المكان الذي غالبا ما تصلي فيه النساء، حتى لا يتعرضوا للتصدي من قبل المرابطين والمرابطات في الأقصى.

سادسا: صلى الإماراتيون في الفترة التي تتوسط العصر والمغرب في غير وقت الصلاة أي بين الصلاتين، مستغلين قلة مرتادي المسجد في ذلك الوقت.

سابعا: عندما اقترب منهم أحد الفلسطينين وسألهم عن جنسيتهم صمت الجميع، ورد أحدهم قائلا: “نحن عمانيون”، وبذلك قاموا بإخفاء متعمد للهوية الأصلية والجنسية الحقيقة، فقد  رموا بلاء ما اقترفوه على غيرهم، وهذا تعالٍ وتضليل لا يتساوق مع الصلاة والإيمان والخشوع.

ثامنا: منعت قوات الشرطة “الإسرائيلية” المصوريين الصحفيين الفلسطينيين من التقاط صور لهذا الوفد، لأنهم لا يريدون من الفلسطينيين أن يسوقوا هذه الحادثة من منطلق مناهضة التطبيع، ورفض واستنكار هذا العمل، بل سيتركون للإعلام “الإسرائيلي” تخريج هذا الحدث وفق أجندات التسويق التطبيعي الجاذب من خلال البوابة “الإسرائيلية”.

إن هذه الحيثيات التي تم رصدها بالرغم من محاولة تغطية هذه الزيارة بنوع من السرية المحدودة، وإبعادها عن الأضواء بالقدر المطلوب، لا يمكن أن تكون عفوية وغير مبرمجة، حتى إنها أيضا لا يمكن أن تكون بعيدة عن خطط تؤسس لما سيليها من زيارات أخرى لهذا المكان المقدس للمسلمين والعرب والفلسطينيين.

وأعتقد أن حيثياتها مدروسة بعناية، فقد جلعت من الهدف الأساس المفترض لمثل أي زيارة للمسجد الأقصى هو الصلاة مفرغة من مضمونها، فكانت صلاة بلا روح؛ من حيث الوقت، والكيفية ولا الخلفية والاطمئنان، ولا الخشوع، ولا الركوع؛ بل هي أقرب لفعل سياحي مرتبك متوتر مناقض لحقيقة الايمان، وفيها إقرار وتماشي للسيطرة “الإسرائيلية” على الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهذا تناقض صارخ للإيمان الدافع الأساس للصلاة والعبادة، فهي صلاة مسروقة إن جاز التعبير، سرقت من أقدس مقدسات المسلمين بعد الحرم المكي والحرم المدني، وسرقت من عيون المرابطين فيه وسدنته وأئمته واهل القدس وشرائح الشعب الفلسطيني كافة الذي يعاني نير الاحتلال، وهي غصن خبيث، نما وترعرع ورضع من شجرة أخبث هي التطبيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى