هل تعيش ضيفاً على ذاتك؟

أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري

في يوم من الأيام أرادت سمكة أن تعرف مكان الماء، لقد سمعت عنه كثيراً، ولكن لم تتمكن من الوصول إليه، سألت يوماً صديقة لها عن مكان هذا الماء؛ فأجابتها في صراحة: لا أعرف بالضبط، ولكني أستطيع أن أخبرك عن مكان الطعام نرتع فيه ونلعب، أما الماء فلا أعرف له محلاً ولا مستقراً، ولكن فلنذهب إلى السمكة الحكيمة ونسألها. وبالفعل ذهبتا إلى السمكة الحكيمة، وسألتا عن مكان الماء، فأجابت السمكة بحصافة عُرفت عنها: أي بنيتي إن الماء حولك في كل مكان، حيثما تكونين يكون الماء، الماء حياتك.. إذا غاب غبت، وإذا غاض انتهيت. شكرت السمكة وصديقتها السمكة الحكيمة وسبحتا بعيداً. ثم قالت إحداهما للأخرى: إن الكلام جميل وبليغ، ولكن هل عرفت فعلاً أين الماء!؟

كم نصادف في حياتنا من لا يقبل الواقع الذي يعيشه، ولا يدرك كنهه ومعالمه، ولا منبته ومنبعه، ويسعى إلى الحصول على أمر مختلف عن هذا الواقع، فيحيا كاسف البال لا يجد إلا معاناة وغُربة يضيق بها صدره، ويعمى بها قلبه قبل بصره.

إن إدراك الواقع وتلبية متطلبات اللحظة الراهنة سبيلنا الوضاء في اكتشاف أنفسنا. إننا نعيش حقاً وسط مقومات حياتية معينة، وعلينا أن نقبل كل شيء فيها، ولن نعيش الواقع بنجاح إلا عندما نتمكن من الرضا الكامل بحياتنا إجمالاً، وإلا فإننا نعيش في قليل أو كثير من الأوهام المتخيلة. إنه إدراك المواقف الفكرية التي تسيطر على أذهاننا في المقام الأول، ونحن نستطيع أن نغير حياتنا الفكرية؛ فيتغير كل شيء حولنا، ونعيد اكتشاف أنفسنا من جديد. ولنعلم أن عدم الإدراك مشكلة حقيقية لابد من التعامل معها، ولابد من القناعة أنها مشكلة لا يمكن أن تحل في المستوى السطحي من النفس الإنسانية، وإنما تحل في مستوى عميق منها.

كما أن المشكلة ليست في موقعنا الحالي من الحياة وظروفنا التي نحيا فيها؛ ولكن المشكلة هي إدراك الواقع وملء فراغه على نحو مختلف، وإحداث التغيير الذي يحسب لنا. لعل هذا يقتضي تأمل مكاننا من جديد، وإعادة اكتشاف أنفسنا وبيئتنا، ومن هذا المكان يمكننا أن نغير حياتنا ومستقبلنا.

إن البحث عن الذات رحلة لا يهتدي فيها كثير من الناس إلى شيء. وستدهش عندما ترى كتلاً كثيفة من المحيطين بك يعيشوف ضيوفاً على ذواتهم، يجهلونها وتجهلهم، ويفارقون دنيانا لا أثر ولا عين. والمهتدون لذواتهم الفطنون لقدراتهم قادرون على تغيير العالم من حولهم، ويغادرون دنيانا جسداً ويبقون بيننا سيراً عطرة تتداولها الأيام والسنون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى