كمَا لَو أنَّه الصبَّاحُ الأَخِير
د. ايهاب بسيسو | فلسطين
العَالَم هذَا الصَّبَاح
مَشغُولٌ بِذَوَبَانِ الجَلِيدِ القُطبِي
ومُتَابَعَةِ أسعَارِ البُورصَة
وإِيجَادِ فُرصَةٍ مُلائِمَةٍ
لِحَربٍ قَد تَكونُ مُحتَمَلَةً …
وأَخِيرَة …
لِصِنَاعَةِ أَرَامِل ويَتَامَى جُددٍ
يَظهَرُون فِي نَشرَاتِ الأخبَار
بِكَامِل حُزنِهِم النَّقِي …
العَالَمُ هذَا الصَّبَاح
مَشغولٌ باكتِشَافِ طُرقٍ جَدِيدَةٍ
نَحوَ الفَضَاء …
والبَحثِ عَن مَقَابِرَ إِضَافِيَّةٍ
تَصلُحُ لِنِفَايَاتِ الخَرَاب …
أمَّا أنَا فَمَشغُولٌ كَعَادَتِي
بِذَوَبَانِ عَقَارِبِ السَّاعَةِ
فِي يَدِ الجُنُود …
والمُرورِ دُونَ تَفتِيشٍ شَخصِيٍّ
وإِبرَازِ بِطَاقَةِ هُويَّةٍ
أمَامَ الحَواجِز …
أَصحُو كَمَا يَصحُو العَالَمُ
غَيرَ أنَّ لِكُلٍّ مِنَّا طَرِيقَتَه الخَاصَّة
فِي استِقبَالِ الضُّوءِ المُبَكِّر …
أَنهَضُ مِن جَسَدٍ مُفتَّت …
مُفتَرِضاً أنَّ اليَومَ
هُو اليَومُ الأَخِيرُ علَى سَطحِ الأَرضِ
وعلَيَّ أن أُفكِّر
فِي شَكلِ السَّاعَاتِ القَادِمَة …
قَد لا أكتُبُ شَيئاً
عَن مَصِيرِ الدُّبَبَةِ القُطبِيَّةِ
والسَّلاحِفِ المَائِيَّةِ العِملاقَةِ
ومُعانَاةِ حَيَوَانَاتِ الكَنغَر
مَع ازدِيَادِ الحَرَائِقِ البَرِّيَةِ
والجَفَافِ
وتَمَدُّدِ ظَاهِرَةِ التَّصَحُّر …
أو السَّنَاجِبِ التِّي لَن تَجِدَ بُيوتاً
فِي جَوفِ الأشجَارِ
بَعدَ اليَوم …
قَد لا أكتُبُ شَيئاً عَن التَّطرِيزِ البِدَائِيِّ
وحِرَف النَّسِيجِ …
والأثَاثِ الشَّرقِيِّ في بَيتِي القَدِيمِ
فِي غَزَّة …
ورَأسِ الجُندِيِّ المُنتَفِخَةِ
كَفُقَّاعَةٍ نَوَوِيَّةٍ
فَوقَ مُحِيطَاتٍ بَعِيدَة …
وعِندَ تُخُومِ أنفَاسِي المُضطَّرِبَة …
سَأنشَغِلُ قَلِيلاً
بِتَرتِيبِ فَوضَى الأَوقَاتِ التَّائِهَةِ
المُترَاكِمَةِ عِندَ حَافَّةِ السَّرِيرِ
كَتَلَّةٍ عَتِيقَةٍ مِن حِكَايَاتٍ …
قَد تَنهَارُ فَجأَةً إِلى حُروبٍ ذَاتِيَّةٍ
بَينَ كَوَابِيس مُفاجِئَةٍ
وهَرَاوَاتِ البُولِيسِ السِّرِي
فِي المُذكَّرَات …
وقَد أجلِسُ إلى أُلبومِ صُوَرِ عَائِليٍّ
مَع فِنجَانِ قَهوَةٍ أَخِير …
لَن أكتَرِثَ بِضَبطِ المَقَادِيرِ
كَعَادَتِي الصَّبَاحِيَّةِ
مَع انتِظَارٍ مُتَلَهِّفٍ للمَاءِ المَغلِيِّ
كَي أَبدأَ رِحلَةَ التَّكوِين …
قَد تَبدُو زِيَادَةٌ طَفِيفَةٌ لِلبُنِّ مَعقُولَةً
لِليَومِ الأَخِير …
مِلعَقَةٌ إِضَافِيَّةٌ مَثلاً …
قَد تُفسِدُ إِيقَاعَ الرَّتَابَة
وتُشعِلُ ثَورَةَ النِّهَايَاتِ
فِي الفِنجَانِ الأَخِير …
فِي اليَومِ الأَخيرِ
فِي السَّاعَاتِ الأخِيرَة …
قَد لا أنتَبِهُ كَثِيراً
لِملامِحِي المُتخَيَّلةِ فِي المرَايَا الرَّقمِيَّة
تَرصُدنِي دَائِمَ الابتِسَامِ
فِي الصَّبَاحِ والمَسَاءِ
وعلَى مَدَارِ جُنونٍ مُقنَّعٍ
بِأبسَطِ حِيَلِ التِّكنُولوجيَا
لِجعلِ الوُجُوهِ مُتشَابِهةً
فِِي هَوَسٍ يَومِي
بِفَرحٍ زَائِف …
سَأضحَك …
سَأضحَكُ كَثِيراً
مِن بَلاهَةِ التِّكنُولوجيَا الحَدِيثَة
ضَحِكٌ يُشبِهُ صُرَاخاً
قَد يُزعِجُ جِيرانِي المُنشغِلين
بِتَعقُّبِ السَّاعَاتِ الأخِيرَةِ
لهذَا العَالَم …
جِيرَانِي المُنضَبِطُون
كَدَقَّاتِ السَّاعةِ …
المُرتَّبُون كَخَلايَا النَّحلِ …
الهَادِئُون جِداً
كَصبَاحَاتِ الأحَدِ
فِي قُرَى الرِّيفِ الانجلِيزِي …
المَيِّتُون جِداً فِي أقنِعَةِ الاعتِيَادِ
والارتِيَاب …
والبَارَانُويَا المُتَّصِلةِ بالحَوَاسِيبِ
وأجهِزَةِ الهَوَاتفِ النَّقالَة …
العَالَمُ هذَا الصَّبَاح
كَذبَةٌ أُخرَى لابتِكَارِ ضُوءٍ وَهمِيٍّ
مِن بَقَايَا أَزهَارِ عَبَّادِ الشَّمسِ
فِي حُقولٍ مَنسِيَّةٍ
ومَنهُوبَةٍ فِي حَوَاصِلِ الجَرَاد …
أقوُلُ هذَا مُدركاً
أنَّ قِشرةَ البُندقِ الهَشَّةِ
بَينَ اتفَاقِيَّاتِ جِنيفِ الأربَع
ووَاقِعٍ مُدَجَّجٍ بِخُبثِ جُنودٍ
فِي المُدنِ المُحتَلَّةِ …
لَن تَصنعَ جِسراً بَينَ جَسدٍ
فِي تَابوتِ الوَقتِ
وحُلمٍ علَى بُعدِ فَراشَةٍ
فِي الذَّاكِرَة …
مُلاحَظة: قَد أَعودُ ثَانِيةً للنَّومِ
بَعدَ قَليلٍ مِن قِراءَةٍ مُتقطِّعةٍ
فِي كِتَابِ الحيَوَانِ للجَاحِظ …
فِيمَا يُوَاصِلُ العَالَمُ
ابتِكَارِ طُرقٍ جَدِيدَةٍ
لِتَدميرِ هذَا الكَوكَب
فِي اليَومِ الأَخيِر …
دُونَ تَوقُّف …