الشهيد الأسير أحمد أبو علي ضحية جرائم الإهمال الطبي للاحتلال
المحامي علي أبوهلال | فلسطين
لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يرتكب المزيد من الجرائم بحق الأسرى، جرائم الإعدام والقتل العمد عن سبق الإصرار، من خلال امعانه في ممارسة سياسة الإهمال الطبي التي ينتهجها بحق الأسرى والأسيرات المرضى، حيث يتركهم وحدهم ضحية الأمراض الخطيرة التي تفتك بهم، داخل سجونه ومعتقلاته التي لا تتوفر فيها الحد الأدنى من الظروف الإنسانية لحياة البشر، دون أن يقدم لهم العلاج والعناية الطبية المناسبة.
وهذه المرة يستشهد الأسير أحمد بدر أبو علي (48 عامًا) يوم الجمعة الماضي العاشر من شهر شباط/ فبراير الجاري، وهو من مدينة يطا قرب الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، في أعقاب تدهور حالته الصحية في سجن “النقب” الإسرائيلي، نتيجة سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى، حيث عانى الأسير “أبو علي” على مدار سنوات اعتقاله أمراضًا مزمنة، في القلب، والسكري، والسمنة، ورافق ذلك مماطلة إدارة السجون المتعمدة في تقديم العلاج اللازم له وإجراء الفحوص الطبية ومتابعة وضعه الصحي، ما أدى إلى استشهاده.
الشهيد الأسير “أبو علي” معتقل منذ عام 2012، ومحكوم بالسجن 12 عامًا، وتبقّى نحو عامين على موعد الإفراج عنه، وهو أب لتسعة أبناء، والشقيق الوحيد لسبع أخوات، وفي أسره توفي والداه، وحرم من وداعهما. وأعلنت الحركة الأسيرة حالة الاستنفار وإغلاق جميع الأقسام في سجون الاحتلال؛ حدادًا على روح الأسير الشهيد “أبو علي”، وغضبًا من سياسة الإهمال الطبي المتواصلة.
وقد قرر زملائه الأسرى إرجاع وجبات الطعام، وإغلاق الأقسام، بمعنى وقف جميع مظاهر الحياة الاعتقالية اليومية في السجون، التي تحكمها طبيعة الحياة داخل السجن، احتجاجًا على استمرار جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء) بحقهم، هذه الجريمة المستمرة التي ذهب ضحيتها منذ عام 1967 حوالي 235 شهيدًا من الأسرى والمعتقلين، منهم 75 أسيرًا ارتقوا بسبب جريمة الإهمال الطبي.
أسرة الشهيد “أبو علي” حملت سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استشهاده؛ بسبب جريمة الإهمال الطبي المتعمدة والممنهجة، مشيرة إلى أنّ إدارة سجن “النقب” قلصت في المدة الأخيرة علاج الأنسولين المخصص له من جرعتين يوميًّا إلى جرعة واحدة. وبينت العائلة في بيان لها أنّ الشهيد “أبو علي” كان مريضًا بالضغط، ولا يقدم له الاحتلال سوى دواء “الأكامول”، كما أنه أجرى عملية قسطرة في القلب العام الماضي، ولم يتلقَّ الرعاية الكاملة، وزجَّ به في عيادة سجن الرملة التي تفتقر إلى الخدمات الطبية اللازمة. وطالبت عائلة الشهيد “أبو علي” بالإفراج الفوري عن جثمانه، لتشييعه ودفنه وفق الشريعة الإسلامية.
لم تعد ادانة جريمة الإهمال الطبي بحق الأسرى من قبل الفصائل والقوى والمؤسسات الفلسطينية، والمؤسسات الحقوقية الدولية الرسمية والأهلية، ذات جدوى لوقف هذه الجريمة المستمرة التي أصبحت سياسة رسمية ومقصودة من قبل إدارات سجون وسلطات الاحتلال، طالما لم ترتبط الادانة بضغط فعلي وعملي على حكومة الاحتلال لوقف هذه السياسة الخطيرة المتواصلة منذ عدة سنوات.
حيث ذكرت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية أنه باستشهاد الأسير أحمد أبو علي يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 235 شهيدا منذ عام 1967، منهم 75 نتيجة الإهمال الطبي، وهناك العشرات من المحررين الذين استشهدوا نتيجة أمراض ورثوها من السجون، وذكرت أيضا أن عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال أكثر من 600 أسير، ومن الجدير ذكره أنّ 24 أسيرًا ومعتقلًا على الأقل، يُعانون من الإصابة بالسّرطان، والأورام بدرجات مختلفة، وكان الشهيد ناصر ابو حميد أحد الأسرى الذين نُفّذت بحقهم جريمة الإهمال، بعد التشخيص المتأخر بإصابته بالسرطان في الرئة، وارتقى شهيدا في شهر كانون الأول العام المنصرم.
وأشارت هذه المؤسسات أنّ جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء) تشكّل أبرز هذه الأدوات، وأكثرها خطورة وفتكا، وكانت السبب المركزي في استشهاد العديد من الأسرى خلال السنوات القليلة الماضية، حيث أنّ غالبية ما ارتقوا شهداء خلال العشر سنوات الماضية كانوا نتيجة لهذه الجريمة، إلى جانب جريمة التّعذيب.
وأوضحت هذه المؤسسات إلى أن سجن “الرملة” الذي يُطلق عليها الأسرى “بالمسلخ”، يعتبر “شاهدا على الموت اليومي الذي يعيشونه، ويقبع فيه عدد من الأسرى المرضى والجرحى في ظروف مأساوية؛ وكان من بين الأسرى الذين اُحتجزوا فيه لسنوات واستشهدوا، بسام السايح، سامي أبو دياك، كمال أبو وعر، وغيرهم من الذين واجهوا السرطان وسياسة القتل البطيء على مدار سنوات”.
وتُمعن سلطات الاحتلال بانتهاك حقوق الأسرى المكفولة بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية فيما يتعلق بحق المعتقلين بتلقي العلاج اللازم والرعاية الطبية، حيث كفلت اتفاقية جنيف الرابعة في المواد (76) و(85) و(91) و(92) حق الأسرى بتلقي الرعاية الطبية الدورية، وتقديم العلاج اللازم لهم من الأمراض التي يعانون منها، وتنص على وجوب توفير عيادات صحية وأطباء متخصصون لمعاينة الأسرى، حيث تتنصل سلطات الاحتلال من التزاماتها بموجب المواثيق الدولية مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية للأسيرات والأسرى.
كيف يمكن أذا وقف هذه الجريمة التي تؤدي إلى مزيد من الضحايا في صفوف الأسرى والأسيرات، طالما لا يتحرك المجتمع الدولي، وخاصة المؤسسات الحقوقية لوقف هذه الجريمة ومحاسبة مسؤولي الاحتلال الذين يرتكبونها، ولا بد من تحرك فعلي من أجل المزيد من الضغط على حكومة الاحتلال من أجل إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات المرضى، ليتم توفير العلاج المناسب لهم قبل أن يلاقوا مصير زملائهم الشهداء.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.