التضليل سياسة فعالة
سمير عادل| كاتب من العراق
من الحماقة الحديث عن وجود يسار ويمين في الطبقة الحاكمة الإسرائيلية، انه تضليل كبير يرتكز عليه حلفاء الولايات المتحدة الامريكية لتبرير دعمها لإسرائيل وعلاقتها معها.
ان الفارق بين ما يسمونه اليمين “المتشدد” وبين “اليسار العلماني” تجاه القضية الفلسطينية وعموم الظلم القومي السافر على الفلسطينيين هو بكيفية وطريقة احتوائه. اسحق رابين الذي يصنف على اليسار، وقع اتفاقية سلام مع ياسر عرفات في أوسلو سنة 1993، وقتل على يد المعارضين الاسرائيليين للاتفاقية، وهو أي رابين كان يخطط لإعطاء أكثر من حكم ذاتي للفلسطينيين واقل من دولة، وهذا ما جاء على لسان جميع المستشارين السابقين لرابين وأعضاء في كابينته الوزارية امام وسائل الاعلام المختلفة. أي بعبارة أخرى كانت الاتفاقية هو كما سموه بعملية السلام هي محاولة جهنمية لتجميل الصورة الكريهة و المقيتة لدولة اسرائيل للعالم والرأي العام الدولي التي تمارس أبشع أنواع الظلم القومي بحق الشعب الفلسطيني، وعلى مستوى آخر الحفاظ على توقعات التيار المناهض لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة وابقائهم تحت ظله، ومن جهة أخرى وأد تأسيس أية دولة فلسطينية.
ويجدر بالذكر، يأخذ البعض علينا ان استخدامنا لمقولة “دولة إسرائيل” فيعني اعترافا بإسرائيل، وهنا لا بد ان نشير الى انه لا يمكن ان نكون ملكيين أكثر من الملك نفسه، فمنظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت على اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣ تعترف بإسرائيل، وحماس نفسها غيرت او اضافت الى ميثاقها او كتبت وثيقة جديدة في عام ٢٠١٨ باعترافها الضمني بإسرائيل عن طريق قبولها بتأسيس دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام ١٩٦٧، أي تقر وتعترف بوجود دولة إسرائيل. ولكن ما يهمنا هنا ان استخدامنا لمقولة “الدولة إسرائيل” نعني بها من الناحية المؤسساتية، السياسية والقانونية والقضائية والأمنية والعسكرية والاستخباراتية، بأنها دولة عنصرية وفاشية بامتياز. وإذا ما عدنا الى موضوعنا، فتحميل اليمين الاسرائيلي وشخص نتنياهو مسؤولية ما وصلنا اليه اليوم هو محاولة خادعة لطمس الظلم القومي وسياسات دولة إسرائيل التاريخية تجاه الفلسطينيين على الأقل إذا ما لم نذهب بعيدا، فمنذ اتفاقية أوسلو وما جرى في تعاملها مع الانتفاضة الأولى والثانية وما بعدها. أي ان تصنيف الطبقة الحاكمة التي تدير دفة الدولة في إسرائيل بين اليمين واليسار تجاه تعاملها مع القضية الفلسطينية هي ضحك على الذقون وتضليل كبير كما نوهنا للتعمية على محتوى دولة إسرائيل وبغض النظر من تكون الحكومة فيها، أو من أية كتلة يكون رئيس وزرائها يمينيا يوزع على المستوطنين أسلحة لقتل الفلسطينيين بدم بارد وأمام الراي العام العالمي، أو يساريا يهدم البيوت على رؤوس ساكنيها في مدن الضفة الغربية إذا ما خرج واحد منها معارض لسياسات إسرائيل.
وعليه كشف قبل أيام موقع (بوليتيكو) على ان إدارة بايدن تخطط للإطاحة بنتنياهو، ونجزم هي خطة جهنمية لتحميل نتنياهو وما يسمى باليمين الإسرائيلي مسؤولية عمليات قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية وبناء المستوطنات والإبادة المنظمة لأهالي قطاع غزة وتحت عنوان “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”. وليس هذا فحسب بل ان إدارة بايدن أيضا ومن خلال هذه الخطة تسعى لتضليل العالم بتنصلها عن تأسيس دولة فلسطينية عندما سوقت نفسها بأنها “راعية للسلام”، وغضت الطرف عن كل جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني منذ عقود.
ونقولها بشكل اخر فان إدارة بايدن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى الى كبش فداء يقدم على مذبح كل الجرائم التي تقوم بها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، ويمسح آثامها عندما تحدت كل القيم الإنسانية والمعايير الأخلاقية والعالم باسره بدعمها العلني وغير المشروط للآلة العسكرية الإسرائيلية في قتل الآلاف من أطفال غزة. وإذا كان سكان غزة كلهم حماس ويتحملون مسؤولية ما حدث في غلاف غزة كما يدعي عدد ليس قليل من الإسرائيليين الذين يخرجون على القنوات الإعلامية وكان آخرها وزير التراث الذي طالب بضرب غزة بالقنبلة النووية، فما ذنب أولئك الأطفال الذين ما زالت براءتهم تزكيهم ولا يدركون ما هي جريمتهم سوى أنهم ولدوا في منطقة سميت بغزة ونسبوا الى أبوين فلسطينيين. وليس صدفة عندما تعلن قناة ١٣ الإسرائيلية عن استطلاع يفيد بأن ٧٦٪ من الشعب الإسرائيلي يطالب باستقالة نتنياهو فورا وفي هذا الظرف الحساس من تاريخ إسرائيل أو بعد الانتهاء من الحرب. نقول ذلك الكبش الذي تبحث عنها ادارة بايدن هو نتنياهو بعد ان أزكمت رائحة العنصرية الانوف، ويجب التضحية به، لإسدال الستار عن كل جرائم إسرائيل، وغلق الباب امام أي تحقيق دولي يفضي الى تورط المؤسسة الامريكية الحاكمة ايضا بكل ما حدث ويحدث الآن.
بيد ان التضليل لطمس كل الظلم القومي على الشعب الفلسطيني والتعمية على سياسات دولة إسرائيل في مدن الضفة وقطاع غزة، لا يقف عند حدود التطبيل والتزمير حول ما سمي باليمين الإسرائيلي وتحميله المسؤولية على ما جرى وما يجري اليوم من الفظاعات التي ترتكب في غزة، بل ان دولة إسرائيل وبالتنسيق مع مخططي السياسات الامريكية، تعلن ان هدف ابادتها لسكان قطاع غزة او هجومها البربري هو تدمير حماس، في الوقت الذي نعرف ويعرف المتابعون للقضية الفلسطينية وخاصة بعد انتفاضة الحجارة الثانية عام ٢٠٠٠، وبعد ذلك الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في ٢٠٠٥، بأن ان خطة دولة إسرائيل وكان مهندسها، بنيامين نتنياهو، هي السماح لتغول حماس على المشهد السياسي الفلسطيني لدق اسفين او بناء جدار عازل بين منظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل الجناح القومي وبين الجناح الإسلامي المتمثل بحماس وجهاد وغيرها.
وكلا الطرفان سواء كانت حماس او منظمة التحرير الفلسطينية لديهما حلقة مركزية واحدة في الصراع السياسي، وهوية سياسية واحدة، وهي جزء لا يتجزأ من عقيدة الطرفين وبغض النظر عن أيديولوجية أي منهما هو مقارعة الاحتلال الإسرائيلي وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة. وفي جميع مراحل الصراع فيما بينهما على السلطة وقيادة المشهد السياسي الفلسطيني، يتم إخفاء ذلك الصراع عبر التنافس في مواجهة سياسات دولة إسرائيل وإنهاء الظلم القومي. وقد لعبت دولة إسرائيل بشكل جهنمي بتعميق الهوة بين الاجنحة المذكورة في الصراع على السلطة. وكان انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة والبقاء في الضفة الغربية هو مرحلة أخرى من تلك الخطة للتنصل من اية التزامات تجاه بنود اتفاقية أوسلو منها؛ إيقاف بناء المستوطنات وعمليات التهجير والاستحواذ على الأراضي، وبالتالي ضرب قرارات الأمم المتحدة في تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تحت ذرائع بأنه ليس هناك جهة رسمية تمثل الشعب الفلسطيني للتفاوض معه.
وعليه عندما يخرج لنا من كل حدب وصوب محللين يتحفوننا بأن إسرائيل بإمكانها القضاء على حماس ولكن لا يمكنها القضاء على الأيديولوجية، فهو جزء من عملية تضليل أخرى لان إسرائيل تريد تغلف كل سياستها تجاه الفلسطينيين ب”ارهاب حماس” والإغفال بشكل مخطط عن تنصلها تجاه الاتفاقيات الدولية بخصوص دولة فلسطينية مستقلة.
واساس القضية ليست الأيدلوجية، ومن الممكن تنشيف منابع الإرهاب، إرهاب دولة او إرهاب منظمة، إذا ما حلت القضية الفلسطينية. لان عقيدة حماس او قبلها عقيدة منظمة التحرير الفلسطينية بجميع أجنحتها اليمينية واليسارية فهي ترتكز على الظلم القومي الذي تمارسه دولة إسرائيل. وان أكثر ما تستطيع إسرائيل فعله، ترحيل حماس من غزة كما قامت بترحيل منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن ومن لبنان أخيرا عام ١٩٨٢، ولكن ما لا يمكن ترحيله لا بالماكنة العسكرية لإسرائيل ولا بحاملات طائرات ايزنهاور وجيرالد فورد وطائرات اف ٣٥ ولا فرقاطات وبوارج الحربية للوجه الليبرالي المنافق للغرب الذي تمثله دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، نقول ما لا يمكن ترحيله هو وجود شعب إذا لم يكن في غزة فهو موجود في الضفة الغربية يمارس في كل ثانية بحقه سياسة أقل ما يوصف بسياسة النازيين تجاه اليهود في أيام هولوكوست. وان تصفية الحساب النهائي مع دولة إسرائيل هي مسألة وقت وها هي تدفع فاتورتها، ليس بسبب تكاليف حربها، بل بسبب الكشف عن وجهها النازي والوحشي امام العالم، وبات حتى ذلك الغرب الرسمي الليبرالي الذي يدافع عنها يضع مسافات بينها. ففي عالم وسائل الاعلام غير التقليدية لا يمكن إخفاء ما لا تريد ان تظهره للعالم.
وقد فشلت استراتيجية شعار (الامن مقابل السلام) بدلا من (الأرض مقابل السلام)، فما قامت به حماس في غزة ومجموعات عرين الأسد في الضفة تكشف ان الالة العسكرية الإسرائيلية لم تحقق الا كرها لها وسخطا عليها من قبل القوى التحررية والإنسانية في العالم.
وأخيرا نقول تخيلوا فقط هناك دولة فلسطينية مستقلة، وتخيلوا ليس هناك ظلم قومي على الشعب الفلسطيني، وتخيلوا نالت القضية الفلسطينية حلا عادلا، فهل يبقى مكان لنتنياهو او قاعدته اليمينية في المشهد السياسي الإسرائيلي التي استندت على كذبة وخداع توفير الأمن والأمان للشعب الإسرائيلي وانها صمام الأمان لهم من حماس وغيرها، وهل تستطيع الجمهورية الإسلامية تغطي على كل جرائمها بحق جماهير إيران والتمدد القومي في المنطقة وتحت عنوان دفاعها عن الشعب الفلسطيني المسلم، وهل يمكن لحسن نصر الله وحزبه أن يتغول على المشهد السياسي اللبناني ويعرض أمن وسلامة جماهير لبنان الى حرب جديدة في الوقت الذي وصل فيه اكثر من ٥٠٪ من الشعب اللبناني تحت خط الفقر وتحت يافطة وحدة ساحات المقاومة والممانعة، وهل يستطيع أصحاب القناصين ان يصولوا ويجولوا تحت يافطة تحرير فلسطين وهم قتلوا ٨٠٠ من الشباب في انتفاضة أكتوبر في ساحات الحبوبي والتحرير وام العروسين والثورة في مدن العراق..، لانهم طالبوا بصدورهم العارية فرصة عمل وخبز وحرية، وأخيرا هل تبقى للولايات المتحدة الأمريكية فرصة لعرض عسكرتاريتها في المنطقة لإرهاب العالم من أجل فرض سياستها الرجعية وتهشيم رؤوس المعارضة لسياستها!!