كتاب مفتوح إلى الرئيس الأميركي بايدن من الأكاديمي ريتشارد فالك
عليك أن تخجل من تعابير التفاؤل بصدد مستقبلنا الوطني
سعيد مضيه | فلسطين
ريتشارد فالك، احد الخبراء العالميين في الوضع الدولي ماضيا وراهنا، وجه نقدا حاد في كتاب مفتوح ، ” عليك ان تخجل من تعابير التفاؤل بصدد مستقبلنا الوطني. فالمجتمع الأميركي ” لا يبدو قادرا على العمل معا إلا لدى شن الحروب او التحضير لحرب ضد خصوم حيقيين او متخيلين”. . ليتساءل اخيرا ، ” هل يتوجب عليك ان تظل تخفي عن المواطنين الحجوم السيئة من الفقر والعنصرية وثقافة البندقية والتعدي على الحريات الأكاديمية والعسكرة العولمية….؟
كتب فالك في 15 شباط الجاري الى الرئيس بايدن: استمعت بتشكك مصدوم لخطابك الذي اظهرت فيه اعتزازك القومي لحالة الاتحاد، مستغربا كم من المشاعر سربتها حاشيتك ممن دأبوا من قبل على مراقبة الذات . وعندما تسلمت نص الخطاب المرسل بالبريد الخاص في صباح اليوم التالي انتابتني الحيرة والانزعاج. بدأت اتفهم نواياك بشكل افضل عندما تبين ان السير على الدرب جاء في تتابع يومي بلا نهاية لنداءات قادة الحزب الديمقراطي طلبا لتبرعات مالية للحزب، مقرونة حتى بقوائم المبالغ المقترحة. فيما يلي الكلمات الأسوأ وقعا في خطابك الرئاسي الطويل، الذي تبدو فيه راغبا في تبنيه كموضوع في حملة متوقعة عام 2024 لتحكم اميركا التي يزداد حكمها صعوبة :
“لم يسبق لي أبدا ان كنت متفائلا بمستقبل أميركا ؛ أقصد ما أقول . فنحن امة روحها طويلة ، وعمودها الفقري متين ، وشعبها قوي. فقط علينا ان نتذكر هذا ونتذكر من نحن . فما من شيء يتجاوز طاقتنا إن تَجَمَّعنا معا”.
لو كنت من الملونين، أو من بقايا الشعوب الأصلية ، او من الفقراء فلربما استغربت هل أن رسالتك غير اللائقة بعد كل شيء كوميديا سوداء؟ بروح من صلافة التصحر الوجداني، استسلمتَ لإغراء تحرير مسارك بالطريقة التالية:”لم اكن يوما ما أشد تشاؤما حول مستقبل أميركا. فنحن امة ملطخة بضعف الروح ، عنصرية نمارس حبا لا ينتهي بالبندقية، وبالحروب وبالعسكرية، كما يبدو. كان من الأفضل لو حاولنا اخيرا بذل ما بمقدورنا لعلاج خطايا الماضي و قصور الحاضر. بروح الواجب الطويل والاستذكار المهيب ادعو جميع المواطنين اتخاذ الخطوات لمحو تلك الذكريات المتعلقة بما كنّا عليه عن طريق تحويل النفقات من الموازنات العسكرية السنوية القادمة الى صندوق تعويض لصالح الضحايا السابقين والحاليين للعبودية والتطهير العرقي والأشكال الرسمية للعنصرية . إذا أردنا ان نكون جادين في التغلب على هذا الماضي الملطخ لبلدنا ، فعلينا ان ننخرط بصورة إيجابية في النضال الأوسع على سطح كوكبنا من أجل العدالة وحفظ الأنواع. سوف نعانق العبث اذا افترضنا ان بمقدورنا في الزمن الراهن مواجهة هذه التحديات من خلال العمل معا كامة حين نعجز عن التعاون في الداخل، وأقل من ذلك بكثير على الصعيد العالمي لصالح العالم. وإذا قدر لي التحدث بواقعية فعلي أن اعترف اننا لا نبدو قادرين على العمل معا الا لدى شن الحرب او التحضير للحرب ضد خصوم حقيقيين او متخيلين.
بكلمات لم تكن رسالتك فاقدة الإحساس بخبرات معظم الأميركيين وحسب؛ بل تنطوي على تناقض لحد ما بين الدعوة للوحدة وطلب التبرعات لتمويل عملية ضمان بقاء الحزب الديمقراطي في الإدارة. فلا المعارضة ولا الحزب التي تمتدح فضائله وتقوده حاليا لديه الرغبة في رهن مستقبل أميركا ب” قدرتنا ” على العمل معا. فأنت توضح ذلك بنفسك حين تعزز مطلب التمويل بهذه الكلمات المتحزبة، والتي تبدو لي انها الأقرب الى مشاعرك الحقيقية: “ونحن بحاجة الى انتخاب المزيد من الحزب الديمقراطي كي ننجز المزيد”. ليس غيرهذه الكلمات، التي تلقيتها عبر البريد الإليكتروني من مقر الحزب الديمقراطي كما لو انها تؤكد الفكرة المحورية والقائلة فقط بالتبرع للأفراد الجيدين يمكن للفضيلة ان تبقى وذلك في ضوء النضال الوطني المستقطب المحتدم من خلال إطلاق الأفكار المتناقضة بصدد كيف نصنع المستقبل. ليس مؤكدا عند هذه النقطة فيما إذا كان كتّاب سيرة حياتك في المستقبل سيفسرون هذه الوضعية نوعا من النفاق او انتهازية رسولية ، او الخلط بينهما. فما يبدو واضحا ليس غير انصارك التبسيطيين سوف يقولون ان كلماتك عبرت عن معتقدات حقيقية، في ضوء ابتعادها عن واقع مسالك البلاد في الماضي والحاضر .
وانت، بإحساس متضخم بالتفاؤل بمستقبل الدولة وشعبها، تغلف نداءك بطلب التمويل، تبدو محيرا لأنك لا تبذل جهدا موازيا لتفسير أسباب هذا الاستخفاف المستهتر بجملة المخاطر على الوطن والعالم التي تلقي يوميا ظلالا قاتمة غير مسبوقة على مستقبل البلاد . إنها تطرح سؤالا استفزازيا – كيف تميز نظرتك من شعار دونالد ترمب ’لنجعل أميركا عظيمة من جديد‘؟ ربما يكمن خلافكما المضمر في تلاقي وجهات النظر. للتوضيح ربما ترد بزعم ترامب مصاغ بعبارة مماثلة، فتصر على أن أميركا عظيمة حقا ، وبذا فلا حاجة لجعلها عظيمة ، خاصة إذا اقتضى ذلك اتباع درب ترامب الارتدادي نحو العظمة.
السيد الرئيس،عليك ان تخجل من تعابير التفاؤل بصدد مستقبلنا الوطني ، حين لا يمر يوم بدون إطلاق نيران على مجموعات ، في مدرسة او مكان عام مثل قاعة رقص او مناسبة ثقافية عامة . يضاف لذلك تشير التقارير الصادرة مؤخرا ان وتائر الانتحار في أميركا تتصاعد من جديد بين المحاربين القدامى، والملونين والأعداد المتزايدة من المدنيين ممن يناضلون لكسب ما يكفي لضمان صحة أسرهم وتوفير طعامها ومسكنها. ولكي تحصل على معلومات مفصلة عن هذه التعميمات القاتمة قم بزيارة الموقع الإليكتروني.
الا تضلل الجمهور بينما الوقائع تشير الى أن عنف البنادق والإحباطات هي في أميركا أعلى من حيث النسب عما في أي مجتمع صناعي؟ والأسوأ بطرائق معينة من التراجيديات ذاتها عدم التأمل إلا بالقليل مما ينوجب القيام به! يتوجب ان يغري غسل الفضائح القومية بالخجل بدلا من التباهي الأرعن. لم يحصل في أي بلد بالعالم ،غير مصاب بأزمة داخلية حادة او صراع واسع النطاق أن ينتاب الوالدين القلق من انهما قد لا يريان أبناءهما أحياء إن لم يعودوا من المدرسة بالوقت المتوقع.
هل يتوجب عليك ان تظل تخفي عن المواطنين المقدار السيء من الفقر والعنصرية وثقافة البندقية والتعدي على الحريات الأكاديمية والعسكرة العولمية (إنفاق عسكري سنوي اعلى من تسع دول تلي الولايات المتحدة من حيث التسلح، الأعلى في مبيعات وأرباح تجار الموت ،مئات القواعد العسكرية بالخارج ، عقد التحالفات العسكرية ، التصرف القرصني فيما يتعلق بالموارد الطبيعية)؟ ألا يتوجب عليك بالمقابل تقديم وسائل تتضمن النضال ضد اتجاهات النكوص بينما تقدم املا واقعيا أن من الممكن على أقل تقدير ان يكون إيجابيا بحذر حيال مستقبل البلاد؟ يبدو انه حان الوقت لقائد أميركي تقديم حالة تواضع واهتمام حثيث. فالزمن لا يقبل تعابير التباهي القومي والاستهانة بالتهديدات
لمستقبل نمط الحياة في البلد وفي أرجاء المعمورة. فالحالة العامة مثيرة للقلق الشديد بحيث لا يقبل من الرئيس استعراضات التباهي . وما نحن بحاجة اليه واقعية متآلفة مكرسة لإنجاز ما هو ملح لأمن البشرية على جميع مستويات التفاعل الاجتماعي من المحلي حتى الكوكبي.