عندما ترجم الحداثة ويسيل اللّعاب

عبد الله الحكماني | سلطنة عُمان

يجب أن تعلموا أولادكم معنى الحداثة، بمفهوما الشاسع، والرصين، الحداثة هي أن تخرجوا الآن من نوافذ العصرنة، من أجهزتكم الهاتفية، الحداثة هي الخروج من المعاقل الأولى، من كوابيسها الماضية، الخروج من ماض مريض، الحداثة هي أن تردم ما يعيق الخطوة ويجرح الأجنحة، الحداثة، يمكن أن تخرج من الفلج، لكن لا يسيل لعابها في الظلام.
الكل سأل عن صديقنا الشاعر سيف الرحبي، ونحب أن نقول لهم، بأنه في صحة جيدة، فقط حدثت زوبعة، وهي طبيعية، تنسج خيوطها في رجم الحداثة، وهذا ما أظهرته النكت السمجة والتفاهات التي روجتها عقول الظلام المنحطة، وهذا اعادني بذكرى مؤلمة تعرضت له بدرية الإسماعيلي وهي كاتبة عمانية شابة، في أولى مجاميعها القصصية، الموسومة “الملح”، وصل الأمر إلى أن يحكم القضاء بحرق تجربتها، ويصدر بياناً قاسياً من مؤسسة ثقافية، كنا نزعم بأنها راعية الثقافة.
ماتعرض له الشاعر سيف الرحبي، من قذف ورجم في تجربته التي تأسست في المنفى، وولدت خارج الرحم العماني، وطارت تجربته عواصم الأرض وبلغاتها الحية، ليس جديداً، فهي تحاك في غرف مظلمة ومن زمن، لفهمهم بأن الحداثة من رجس الشيطان، لكنهم لا يعلمون بأن هذه الحداثة محاطين بها، وفي كل شيء، لكن لماذا الآن سيف الرحبي، وسيف قامة شعرية وعلم عرف بعمان، لدرجة بأن العالم أصبح لا يعرف عمان، إلا من خلال الرحبي، فكان وجهها، كتب عنها وعن قراها وجبالها وعن صحراها، وعن هذيانات السحرة، وكيف إنه وبقصيدة عن سرور، مسقط رأسه، تحولت القرية إلى الفضاءً العربي، وعلى لسان كل النخب، ومطرح في قصيدته، تحولت إلى سياحية.
سيف الرحبي، عرفته العواصم العربية، قبل أن يعرفه وطنه، الذي عاد له لمشروع في غاية الأهمية، “نزوى”، هذه المجلة الثقافية الأهم التي أخرجت المكان من عزلته، وصمدت أمام التناحر والشتاب العربي، وأسست قيمة للمكان، لدرجة بأن المجلة تنسب لسيف الرحبي، وهذا يعود لإسمه الإعلامي الكبير في الثقافة العربية، وفي القصيدة الحديثة.
قصيدة سيف الرحبي تخلقت من معجم خاص، في المفردة وكثافة اللغة وصورها، في فرادتها مذ تجاربه الأولى، رسم لنفسه مكانة أثرت على تجارب الآخرين، ليس محلياً فحسب، بل تجاوز ذلك، وهذا ما رأى فيه العالم من قيمة فنية متندرة، قامت على قصيدته المباحث والأطروحات، وانتج على صعيد عمره، ما لم ينتجه الآخر عربياً.
إذن علينا أن نفهم أولاً، قبل أن يسيل اللعاب ويسمم أولادنا وهم في مخرج النتائج وعلى مشارف كراسي الجامعة، بأن الحداثة لغة اليوم، وأن نفهم أكثر بأننا في القرن الواحد والعشرين، الذي يكشف الجهل من منابته الأولى، ومن سموم الشجرة البيضاء التي تتغذى على العادة وثبات المقدس، لقتل الحياة الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى