قراءة تحليلية في نص ” لو ” للشاعرة السورية “جوليا علي”

باسم عبد الكريم العراقي| العراق

أولا – النص :

لو أثمل مما يعتمر في أعماقي
وأرقص على وقع الشجن
أرتمي في حضن الخطايا،
ليبرأ الإثم ويقضي بطهر الجريمة !
لو أفرغ جام قهري في مدادي،
لتستعر الحروف إذ تكتب بعض ناري،
وتحرق كل مفردات الخوف اللعين
لو أعلن لعرش الظلم إلحادي بآياته،
وأرشقه بوابل من زفرات السخط؛
فيركع، لأرتد، عبثا، عن إلحادي !
لو أصلب الآه على خشبة الموت،
فتنزف بقايا العمر، إلى أن يكون الخلاص
لو أعري ظاهر الأشياء عن باطنها،
وأقف في محراب الحق
لأعلن الولاء لأرواح من رحلوا بخوفهم،
بآلامهم
بطهر آثامهم..!
هناك..
حيث وقفوا خاسرين

ثانيا الدراسة:

لو ..حرف تتحدد معانيه سياقيا لكثرتها .. ولو استعرضنا الأفعال: أثمل/أفرغ/ أعلن/ أصب/ أعري.. ضمن سياقاتها الدلالية لوجدنا أن معناه هو التمني للبعيد.. (تمني الأشياء بعيدة التحقق) ، هناك إذن دافع ذاتي/ موضوعي، يحمل الشاعرة على طلب أو تمن أمرا أو أكثر صعب التحقق، وهو ما تعمل قراءتي التحليلية هذه، على كشف كنهه، وسأنحو في اشتغالي التحليلي منحى نفسيا، متسقاً مع ظاهر الدلالات النصية مثل (أعماقي ، الشجن ، الخطايا ، الطهر …) وصولا إلى : (أرواح ، خوفهم ، آثامهم ). سأقارب معنوياً مضمر دلالات الإشارات النفسية السياقية لبعض العبارات النصية (سأنتقي بعضها على سبيل الاستشهاد): (لو أثمل مما يعتمر في أعماقي).
القراءة:

ليتني أنتشي مما يستوطن اأماق نفسي (وهي أسرار مدفونة فيها وكونها اسرار فهي مما يُخشى من كشفها للاخرين) وهنا يكون الانتشاء بكشف هذه الأسرار. و المقاربة: ليتني انتشي بإعلان ما أريده من أفكار أو آراء لاتعجب الآخر.
(أرتمي في حضن الخطايا ) القراءة: حضن ، إشارة مكانية . دلالتها : دفء الألفة، والأمان وهي إشارة متضادة مع الخطايا الدالة على استحقاق العقاب وهو ( لا أمان) فما وجه التلاقي بين متضادين هنا؟
وجه التلاقي تحدده الإشارة (أرتمي)، فلا يعقل أن يرمي أحدٌ نفسه في موضع مؤذٍ أو لايوفر له الأمان، فتكون الخطايا دلالة مزاحة عن معناها وتعني: ماهو محظور من قِبَل (الآخر) والمقبول من قبل الشاعرة.
المقاربة (باستحضار فحوى المقاربة السابقة): أريد ان يضمني انتشاء الإعلان عما أتمناه رغم عدم قبول الآخر به (هنا الآخر تحددت ملامحه بأنه المعارض لمشيئة وإرادة الإنسان / آخر سلطوي ظالم بدلالة: (لو أعلن لعرش الظلم إلحادي بآياته ).
فالآخر هنا له (عرش / سلطة) ومعارض لإرادة الإنسان ( الظلم ) وهو مقدس (آياته). ومقاربته: حاكم قامع لإرادة الإنسان باعتباره مقدس لايجوز الخروج على أحكامه.
ولو جمعنا المقاربات الدلالية أعلاه يتولد لدينا المعنى المستتر (التحتاني) التالي: الشاعرة تريد الشعور بلذة المجاهرة برفضها لسطوة من يقمعها عن التعبير عما تتمناه وهو: (لو أعري ظاهر الأشياء عن باطنها، وأقف في محراب الحق)؛ فهي تتمنى (بدلالة معنى/ لو، السابق الإشارة إليها) أن تكشف (أعري) الحقيقة (ظاهر الأشياء) مما يسترها (باطنها)، بذا ستكون أدت رسالتها الإنسانية (أقف في محراب الحق). وهي تؤكد رسالتها هذه بقولها: (لأعلن الولاء لأرواح من رحلوا بخوفهم/ بآلامهم / بطهر آثامهم..!/ هناك..) حيث وقفوا خاسرين) وهذه الرسالة هي تلك الأمنية البعيدة التي تشير اليها الشاعرة بـ (لو) المؤكدة بتكرار لفظها في لغة النص.. وسيجد القارئ أن باقي العبارات النصية تصب مقارباتها الدلالية في سياقية هذا المعنى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى