بلقيس.. بين الجمال والبيان والفن!

د. محمود رمضان | أكاديمي مصري 

بلقيس، اسمها ملهم، فقد كانت جميلة جميلات عصرها، لدرجة أن مؤرخين غربيين أعلنوا أنها كانت ابنة جنية رائعة الجمال، وبسبب جمالها وحكمتها اعتلت عرش مملكة سبأ.

حتى الشعراء والفنانين والسينمائيين أنتجوا عنها أعمالا فنية رائعة، فقد رسمها الإيطالي بييرو ديلا فرانشيسكا في لوحته «تعظيم الخشبة المقدسة ولقاء ملكة سبأ وسليمان»، وظهرت بلقيس في لوحات رافاييل، وفنانين آخرين، منهم لورنزو جبرتي وعمله «بوابة الفردوس»، وخلدها الموسيقار فريدريك هاندل في مقطوعته «وصول ملكة سبأ» في عام 1749، والفرنسي شارل جونو في عام 1862، وأتوريني روسبيجي في مقطوعته الشهيرة «بلقيس ـ ملكة سبأۛ».

واحتفى بها الأدب أيضا، فظهرت بطلة رواية «المرأة المبجلة» لجيوفاني بوكاتشيو، وكتب عنها الأديب عبد الله البردوني «بلقيس ولعيني أم بلقيس»، وألفت عنها كريستينا لينين كتاب «قلعة النساء»، ونظم فيها الشاعر روبرت براونينج قصيدة «بلقيس وسليمان»، ورواية هنري رايدر هاجرد «كنوز الملك سليمان وخاتم ملكة سبأ»، وجيرارد دي نيرفال مسرحية «ملكة سبأ».

كما احتفت بها السينما العالمية، في فيلم «ملكة سبأ» بطولة بيتي بلايث وأنتج عام 1921، وفيلم «ملكة سبأ» بطولة الإيطالية ليونورا روفو في عام 1952، وفيلم «سليمان وسبأ» بطولة يول براينر والإيطالية جينا لولوبريجيدا عام 1959، كما جسدت شخصيتها «صبا مبارك» في مسلسل «بلقيس ملكة سبأ» عام 2009. 

بلقيس الملكة جاء ذكرها في القرآن الكريم، في سورة «النمل»:

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴿٢٠﴾ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿٢١﴾ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿٢٢﴾ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿٢٣﴾ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٢٤﴾ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿٢٥﴾ اللَّـهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴿٢٦﴾ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٢٧﴾ اذْهَب بِّكِتَابِي هَـذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴿٣٣﴾ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿٣٤﴾ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴿٣٥﴾ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّـهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴿٣٦﴾ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴿٣٧﴾ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣٨﴾ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴿٣٩﴾ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴿٤٠﴾ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٤١﴾ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَـكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴿٤٢﴾ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴿٤٣﴾ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٤٤﴾.

والقصة غاية في الوضوح والبيان في القرآن الكريم، وبدأت بغياب الهدهد عن حاشية سيدنا سليمان، فظهر هذا الطائر الجميل لسيدنا سليمان ويعلمه بأمر مملكة سبأ التي تحكمها امرأة، وأنهم يعبدون الشمس من دون الله عز وجل، فيأمره سيدنا سليمان بإرسال كتابه إليهم، وهو يضم تسع كلمات فقط «بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ»، فاستشارت قومها في أمر كتاب سيدنا سليمان، فقالوا لها نحن أولو قوة وبأس شديد، لكننا نأتمر بأمرك، فاختبرت بلقيس قوم سليمان، بإرسالها هدية لم يرسلها أحد لأحد من قبل، باهظة الثمن، وقيل حملها أكثر من مائتي رجل، ورفض سليمان هديتهم وأنذر ملكة سبأ بحرب لن تنتصر فيها، وسوف تصبح هي وقومها إذلاء صاغرين.

 ثم طلب سليمان أن يأتيه عفريت من الجن بعرشها، فيرد العفريت أنه يجلب له عرشها قبل أن يقوم من مقامه، لكن آخر عنده علم من الكتاب جاء بعرشها في التو واللحظة أمام سيدنا سليمان، ليبدأ حوار قصير، ينتهي بإعلانها إسلامها لله رب العالمين.

وكثرت الروايات من المؤرخين، وفسر علماء الدين هذه الآيات الكريمات تفسيرات متعددة، طبقا لمنهج كل عالم منهم، وهم يستندون لأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ثراء إيماني ومعرفي وفقهي، جزاهم الله خيرا.  

واتفق جميعهم على أن ملكة سبأ هي بلقيس، وأن مملكتها كانت في اليمن، ويذكر عدد من المؤرخين أن «بلقيس» إسمان جعلا واحدا، مثل حضرموت وبعلبك، وذلك أن بلقيس عندما حكمت بعد أبيها الهدهاد قال بعض حمير لبعض: ما سيرة هذه الملكة من سيرة أبيها؟ فقالوا: بلقيس، أي بالقياس، فسميت بلقيس.

ولأن العرب ذواقة الأدب، ويقرأون القرآن بوعي وتدبر، فقد أطلقوا اسم «بلقيس» على بعض بناتهم، في جميع الدول العربية والإسلامية، ومنهن بلقيس زوجة الشاعر نزار قباني، العراقية، التي استشهدت في بيروت نتيجة قذف صاروخي، فرثاها نزار ببكائية حارة تنخلع لها القلوب وتنفطر، وهذا ما نلقي عليه الضوء في حديث آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى