الطبقات الإنسانية.. الهرم ذو الاتجاهين _ الماعين

محمد زهدي شاهين | فلسطين

إن الإنسانية شيء جميل جداً، ومستوى عالٍ ورفيع من الأخلاق، ومن الضروري وبدون أدنى شك السعي  الجاد والمتواصل من أجل الوصول إليها، والعمل على نشر واشاعة المحبة والسلام والطمأنينة بين الناس، ورفقاء البشرية، وفعل الخير وما هو حسن من أعمال تجاه مخلوقات الله، وفي مقدمتهم وطليعتهم درة تاج خلق الله؛ وهو الإنسان. يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الناس صنفان إما أخً لك في الدين، أو نظيراً لك في الخَلق(1)، فالناس سواسية متكافئين.  

اليوم لا يخفى على أحد من البشر العقلاء مدى عمق واتساع الفجوة بين مفهوم الإنسانية  كمفهوم نظري وما هو مطبق فعلاً من خلال تعاملنا المتبادل كبشر.

فالإنسانية تحمل في طياتها وثناياها الكثير من المعاني التي تعبر عن كل ما له علاقة بالإنسان ومكنون نفسه وجوهرها بغض النظر عن لونه أو ديانته وجنسه وعرقه، كالإحساس والمشاعر والعواطف؛ فكما قال علي عليه السلام فالناس متساوون ونظراء في الخَلق، ونرى اليوم بأنها تُنتَهك من قبل الكثيرين بذريعة حجج واهية؛ كالتقدم والازدهار والنمو على حساب الآخرين.  ومما يدحض هذه الادعاءات والحجج أشواك النباتات التي لا تأذي الزهور أو النبتة الأم أثناء نموها، والإنسانية يجب أن لا تكون غير ذلك، بتقدم أمم وحضارات على حساب وكاهل أمم وحضارات أخرى، وعلى المستوى الفردي كذلك الامر، بتحقيق مكاسب وفائدة شخصية على حساب الآخرين بظلمهم واستغلالهم أو من خلال سفك دمائهم.

على مدى العصور وتختلاف الأزمان ظهرت عدة نظريات واتجاهات، والكثيرُ من الأفكار التي عنيت بما هية الإنسانية، منها اتجاهات ومنطلقات دينية وأخرى علمانية.

وأنا هنا لست بصدد الاسترسال والبحث في هذه النظريات والإتجاهات المتعددة إذ أعدُ ذلك من باب الفلسفة الكلامية ليس إلا، وعدم الإتيان بما هو جديد.

وتنا سأقوم هنا بطرح الموضوع بطريقة مبسطة جداً، فلكلٍ منهم أرضيةً أنطلق منها للإهتمام والعنايةِ بهذه البذرة الطيبة الحسنة، وجلها توصلنا إلى نفس الهدف والغاية والمضمون، إذ تصب في آناء واحد، وهو تَسَيُدُ القيمَ الأخلاقية، وافشاءِ المحبةَ والسلام؛ بمراعاة مشاعر واحاسيس الاخرين، والرقي بالقيم الإنسانية ككل، وفعل الخير دائماً مع الأخرين.

وأنا هنا سأسلك درباً وطريقاً ما بين المنطلقين أو الرؤيتين، فالإنسان ليس بحاجة الى دين، أو أن يكون مؤمناً او متديناً من أجل أن يقوم بالأعمال الصالحة، فالدين بكل تأكيد يضفي على الصلاح الإنساني وهجاً وروحانية وقدسية. قال تعالى (مَن عَمِلَ صَالِحاً مِن ذكر أَو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة وَلنجزينهم أَجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل(97.)(2). 

نرى هنا أن الله سبحانه وتعالى ربط العمل الصالح الذي يجزي عليه الإنسان بالإيمان، مما يعني أن هناك ايضاً من يعمل عمل صالح لكونه إنسان ليس إلا، وبمفهومنا كمؤمنين فقد خسر خسراناً مبينا، لأن هذا العمل دون الإيمان فهو كالهباء المنثور يوم الحساب. وبما إننا أخوة في الإنسانية فنحن كمؤمنين نقبل هذا العمل من أي كان لتزداد روابط المودة والاحترام بين بني البشر.   

لقد تميز القرن العشرون بصراعاته الكبيرة، وحروبه المدمرة التي راح ضحيتها أكثر من مائة مليون إنسان ما بين قتيل وجريح على أقل تقدير.

كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية الأكثر دموية عبر التاريخ عدى عن عشرات عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، مثل المذابح الشيوعية في كمبوديا في أواخر السبعينيات، ومذابح الترمن، وعمليات الأنفال في العراق أواخر الثمانينيات، وغيرها الكثير الكثير من الإبادات والمجازر والحروب العبثية التي هدمت أركان وتعمدة الإنسانية، فكانت إما بسبب العرق أو اللون او الدين.

مع العلم بأنها من آيات الله؛ قال تعالى (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم…) (الروم22)3، أو بسبب فرض السيادة على بلاد شعوب مستضعفة لفرض التبعية الاقتصادية عليهم من قبل الدول المتنمرة والغازية، وهذا ما يسمى بالهراء والعبثية، ودونية الفكر وانحطاطة إلى أدنى مستوى.  

نستعرض هنا بعضاً من هذه الجرائم البشعة والشنيعة التي تؤدي بنا إلى الغثيان عند التطرق اليها والسماع بها، التي مورست بحق الإنسانية من قتل، واضطهاد، وترويع، وعمليات اغتصاب تقشعر لها الأبدان، وتدمع لها عيون كل من يقدس الحياة والنفس البشرية.

إن التاريخ الحديث شهد الكثير من الأحداث الدموية المؤسفة من قبل الشر. وأينما وطأت أقدام الشر فالمشهد التراجيدي واحد.

فنجد التفنن بطرق القتل وامتهان كرامة الإنسان، وقتل برائة الطفولة، واغتصاب زهرة الحياة وعبيرها، وبقر بطون الحوامل، فوجه الشر واحد أينما حط رحاله، وبأي زمان ومكان، وإحدى هذه الجرائم هي الهولوكوست.

الهولوكوست(4) (المحرقة أو الكل محروق)  كلمة تقشعر لها الإبدان، ولا تستسيغُ سماعهُا أُذُنُ إيٍ كان لبشاعة الصورة التي ارتسمت في أذهاننا عن هذه المأساة.

فهي وبدون أدنى شك من أبشع الجرائم والإبادات الجماعية التي حصلت إبان القرن المنصرم على يد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.

لقد كانت عمليات قتل اليهود وحرقهم أحياء جزءاً من مجموعة أوسع لأعمال القتل والاضطهاد والترويع والجرائم التي قام بها النظام النازي آنذاك، فقد شملت أيضاً جرائم قتل وإبادات جماعية أكثرُ بشاعةً لأناس لا حول لهم ولا قوة من أصحاب الاحتياجات الخاصة من المعاقين والمرضى بشكل عام.

إلا أن اسم هذه المحرقة ارتبط ارتباطاً وثيقاً باسم اليهود دون غيرهم من الضحايا اللذين تجاوزت اعدادهم الأحد عشر مليون قتيل.

وهذا عائد إلى اهتمام المفكرين اليهود بإظهار قضيتهم الإنسانية وإيصالها للعالم ومتابعتهم  لهذا الأمر على مدى أعوام طويلة، فاستثمروا  قدراتهم وحركوا ماكيناتهم الإعلامية الضخمة  ونفوذهم لإظهار أنفسهم ضحية دون غيرهم لتحقيق مكاسب لهم.

وقد يكونون ربما بالغوا بعض الشيء في أعداد الضحايا والقتلى من اليهود، لكن هذا لا يعني بأنها لم تحصل، ولا يعني ايضاً أن تبقى مبكى لهم، وهذا على كل حال شأنهم الخاص. ومن غير المقبول أيضاً أن يتم جعلها فزاعة للآخرين. 

أنا هنا كفلسطيني لي الحق ايضاً بأن ادافع عن قضية شعبي الفلسطيني المضطهد من قبل الصهيونية العالمية التي ارتدت ثوب النازية المجرمة اللا إنسانية، فقضية شعبي الفلسطيني بمثابة جرح نازف، ومعينٌ لا ينضب، وقصة تمتلئ فصولها بحكايات مؤلمة وحزينة، تدور عجلتها منذ اكثر من مئة عام ونيف دون توقف. 

 من الوهلة الأولى قد يبدو لكم بأنني اقوم بخلط الأوراق بحرف ولي عنق الموضوع وتناوله كجانب سياسي.

لكن وفي حقيقة الأمر فالمظهر والشكل قد يوحي بذلك، أما باطن الموضوع  لا يعدو عن كونه يتناول ويحمل في ثناياه قضية إنسانية فلسطينية تراجيدية بحتة.

بداية فصول هذه المأساة التي عاناها وما يزال الشعب الفلسطيني بدأت من اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام الغزاة البريطانيين أرض فلسطين سنة 1917م، والتي كانت ثمرة اتفاقية سايكس بيكو(5) بين فرنسا والمملكة المتحدة بتقاسم بلاد وأراضي شعوب ليست لهم وهي بلاد الشرق الأوسط عام 1916م. 

عند سقوط مدينة القدس واحتلالها من قبل البريطانيين قال الجنرال الإنجليزي أدموند اللنبي مقولته المشهورة (اليوم انتهت الحروب الصليبية)(6)، معلناً أن الحرب ما هي إلا حرب دينيةً.

والدين أياً كان ولأي ديانة سماوية إلاهية، لا كهنوتية كتبت وخطت بأيدي الأحبار بريئة من هذا الهراء؛ فإن الله لا يحب المعتدين. 

هذا التاريخ المأساوي الذي عايشه أجدادنا ونعيشه نحن اليوم بسبب البريطانيين لن ننساه أبداً ما حيينا، ولا يوجد مسوغ أخلاقي وقانوني يبريء ساحتهم مما اقترفت أيدي جنرالاتهم وحكوماتهم التي كانت السبب الرئيس والمباشر في مأساتنا. ولكي لا ننسى فلقد كان نص البيان الذي أصدرته الحكومة البريطانية على عهد وزير خارجيتها أرثر بلفور بتاريخ 2_ 11_   1917م كالتالي (7):

(تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً انه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، أو الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر). 

مما سبق وحسب هذا البيان فقد نصبت واعتبرت الحكومة البريطانية نفسها وصية على شعب فلسطين، إذ وهبت أرضه لِـ لفيف جاءوا من أصقاع شتى لإقامة وطن قومي لهم واصفةً إياهم بالشعب اليهودي ، وواصفةً شعباً بكامله متجذر بأرضه و ذو ثقافة وحضارة عريقة بالطوائف، وهذا قمة التزوير وقلباً للحقائق؛ فوهبت ما لا تملك لمن لا يستحق.

لهذا يتوجب على الحكومة البريطانية الحالية تقديم الإعتذار للشعب الفلسطيني عما لحق بنا من آلام وعذابات بسببهم. وتقديم تعويضات تتناسب وحجم الكارثة والمأساة التي لحقت بنا، وايضاً تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الادنى (الاونروا)، وسد العجز والثغرة التي أحدثها قرار السادي دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة بوقف المساعدات المقدمة لهذه الوكالة. كون المملكة المتحدة هي المسبب الرئيس في مأساة اللجوء الفلسطيني، ويتوجب على قيادتنا إحالة هذه القضية الى المحاكم الدولية والجهات المختصة.

إن الأحداث التي قد جرت طيلة سبعين عاماً على مرأى وسمع العالم الحر إن وجد، لهي كفيلة بإدانة هذا الكيان المغتصب لأرضنا وحقوقنا.

وبما أننا نتحدث عن قضيتنا الإنسانية سنتطرق هنا إلى مفارقة عجيبة تعطينا وتقرب لنا وجهان للإنسانية لمواطنين اثنين أمريكيي الجنسية لكل منهما طريقته ورؤيته للقضية الفلسطينية.

سنبدأ من الشهيدة العالمية وشهيدة الإنسانية راشيل كوري ابنة الثالثة والعشرين ربيعاً، المواطنة الأمريكية التي آمنت بعدالة القضية الفلسطينية ودفعت حياتها ثمناً لذلك.

استشهدت راشيل بتاريخ 16_3_2003م في قطاع غزة وهي في عمر الزهور، أثناء دفاعها عن بيت فلسطيني لعائلة فقيرة مهدد بالهدم من قبل سلطات الإحتلال الآسرائيلي.

وبكل برودة أعصاب قام سائق الجرافة الصهيونازي بدهس هذه الشابة البريئة ملاك الإنسانية فارتقت إلى بارئها شهيدة مقدمة حياتها قرباناً للإنسانية.

أما وجه المفارقة فهو دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المنهزم في الانتخابات الأمريكية 2020 رجل الحلبة، وهو على النقيض من راشيل إذ أنه منحاز بشكل لافتٍ للنظر  للمعتدي علينا، وضَرب مؤخراً قرارات الشرعية الدولية بعرض الحائط بقيامه بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية، وقام بقطع المساعدات الأمريكية المقدمة للفلسطينيين.

كان دونالد ترامب لا يتقن العمل الدبلوماسي بتاتاً فهو رجل حلبة ورجل أعمال ليس إلا، ومكانة ليس على الساحة الدولية بل في مكان آخر، وها هو بتعامله بطريقةً غِرة مع عدة ملفات هدد السلم العالمي بطريقته العنجهية واللا مسؤولة كقضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتعاطيه مع ملف هضبة الجولان السورية، وانسحابه من الاتفاق النووي الموقع مع الجانب الإيراني، ودعمه للعدوان السعودي على اليمن.

لهذا فهو ضمن المرتبة الدونية في الهرم الإنساني ذو الاتجاهين، ومواطنته الأمريكية الشهيدة راشيل في قمة الهرم، فالمنظومة الفكرية التي يحملها كل منا والتي تنعكس على سلوكنا بطبيعة الحال تُعتَبرُ المقياس الحقيقي التي نستطيع من خلالها تقسيم الإنسانية إلى مستويات عدة.

وقضيتنا الفلسطينية هي حقل اختبار حقيقي أيضاً للقيم الإنسانية وللمؤسسات العالمية التي تُعنى بهذا الأمر، ولكل إنسان يدعي الإنسانية وللعالم الحر أيضاً.

إن قضية أطفال وشعب فلسطين خلال هذه الفترة الطويلة من الأعوام والسني العجاف غزيرة بمئات وآلاف القصص والروايات الحزينة جراء القمع والترويع والتنكيل والاضطهاد التي تعرض لها على أيدي الغزاة المعتدين.

مئات المجازر والمذابح لحقت بنا بفعل هذا الاحتلال الجاثم على صدورنا منذ عدة عقود، وللتذكير نذكر منها مجزرة صبرا وشاتيلا والحرم الإبراهيمي ودير ياسين وبلدة الشيخ وغيرها الكثير الكثير. والجريمة إن ارتكبت بحق شخص  أو أكثر تسمى جريمة ولا يمكن وصفها بأقل من ذلك. 

قال تعالى (…من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..)سورة المائدة اية 32.(8) 

يقول الطفل الفلسطيني أحمد دوابشة ابن الأربعة اعوام وهو الناجي الوحيد من الهولوكوست التي ارتكبها المستوطنون اليهود في قرية دوما في 31 _7 _ 2015م التي تم حرق أفراد أسرته فيها: لماذا أحرقونا وقتلوا عائلتي؟ ولماذا نحن؟ ويتسائل بكل براءة لماذا لم يقدر أبي عليهم بالرغم أنه كان قوياً؟ تنهمر الدموع من مقلتيه البريئتين متسائلاً بكل عفوية وبراءة لماذا لماذا قتلوهم! فمن ذا الذي يجيب أحمد على تساؤلاته ياترى؟(9)

أخوتي في الإنسانية إن وجه الشر واحد؛ فالشر لا دين له ولا لون ولا عرق له أيضاً، فبراءة الطفولة واحدة.  وإن حل الشر في مكان والقى ظلاله فإنه لا يميز بين إنسان وإنسان.

يقول تومي هوبرت (10) ابن الستة أعوام أثناء وجوده في السجن المركزي في مدينة كراكوف عام 1942م: كنت أستفيق ليلاً على صوت أزيز الرصاص، فأسأل أمي، على من يطلقون النار يا أماه؟ كانت أمي هيلدا هوبرت، تغطي أذني براحتي يديها الدافئتين، وتحاول أن تهدأ من روعتي قائلة لي: إنه كابوس واصل نومك ياحبيبي.

أغمضت عيني، لكنني لم أفلح في النوم. تمنيت أن يكون ذلك كابوساً، لكنني كنت أعرف أن الألمان يطلقون النار على اليهود، في الساحة المجاورة فوق كومة الفحم.

وهنا دار حوار بين أحمد دوابشه وتومي هوبرت الذي يمثل (صوت الضمير الإسرائيلي) : 

أحمد: هل انتهى كابوسك يا تومي؟

تومي: نعم يا أحمد انتهى، وكل العالم تعاطف مع هذه القضية الإنسانية. وأنت يا أحمد هل انتهى كابوسك؟

أحمد: لا يا تومي لم ينته وكيف له ان ينتهي وآثار الحروق والندوب تملئ جسدي الصغير، وكلما كَبِرتُ كَبُرَت معاناتي.

كيف ينتهي كابوسي يا تومي وما زالت تُرتكب المجازر والمذابح والاعدامات الميدانية بحق أبناء وطني! 

تومي: أتمني أن ينتهي هذا الكابوس المزعج يا أحمد، فنحن ضحايا.

أحمد: نعم صحيح….

لكن يا تومي قضيتي أنا مؤلمة، وعلى ما يبدو بأن فصول مأساتنا طويلة، علماً بأننا لم نكن نحن سبباً في معاناة اليهود بل نحن ضحية لهم، ألم يأتنا الصهاينة غزاة يا تومي من أوروبا وأصقاع الأرض، ألم يقوموا باحتلال شواطئنا وحرماننا من اللعب عليها، وتفيئوا ظلال أشجارنا، وتم طرد وتهجير أجدادنا من مساكنهم ومنازلهم وسكنوها هم يا تومي، وما نزال نحتفظ بمفاتيح أبوابها للأن على أمل العودة إليها!!!! وأعجب هنا كل العجب كيف لمن يدعي بأنه ضحية بأن يقوم بإضطهاد الآخرين وسلب وطنهم منهم.

يتابع تحمد: حوصرنا في ما تبقى لنا من مدنٍ وقرى بجدار الفصل العنصري، وبالاسلاك الشائكة والحواجز، حرمنا ايضاً من العلاج، وآلام إسراء جعابيص شاهد حي على ذلك، وهي  في كفة وإنسانية العالم في كفة اخرى. حرمنا ايضاً من حرية التنقل ومن آداء العبادة في اماكننا المقدسة.

تومي: ……….صمت رهيب يخيم على المكان.

احمد: اجب يا تومي اجب. ساكمل اذاً يا تومي. 

الم تسمع عن محمد ابو خضير الطفل الفلسطيني الذي تم خطفه على ايدي المستوطنين المتطرفين وقاموا بتعذيبه وحرقه وهو على قيد الحياة عام 2014م. وايضاً الم تسمع عن ابراهيم ابو ثريا الذي بترت قدماه اثناء قصف الطيران الاسرائيلي لمدينة غزة عام 2008م، واستشهد في 15_ 12_ 2017م جراء استهدافه وقنصة من قبل جيش الاحتلال خلال مشاركته في احتجاجات سلمية. ما الخطر الذي يشكله شخص مبتور القدمين ليتم رميه بالرصاص! اجب… اجب يا تومي؟ (تومي لن يجيب لأنه قد مات).

ما بال المسعفة رزان النجار التي قُنِصَت هي ايضاً اثناء قيامها بواجبها الإنساني وهي ترتدي ثوبها الابيض، الم يكن استهدافها وقتلها قتل للإنسانية.  الم يقوموا بقراءة التوراة التي تقول:  (من قتل إنساناً، يُقتَلُ قتلاً) سفر اللاويين(17:22).(11)

ساخبرك ايضاً عن عائشة اللولو ابنة الخمسة اعوام، هذه الزهرة الفلسطينية التي ومن خلالِ استشهادها جسدت ظلم الاحتلال، ومعاناة الشعب الفلسطيني. 

عائشة يا تومي كانت تعاني من ورم بالدماغ وتم نقلها من قطاع غزة الى القدس لتتلقى العلاج هناك، وتم منع اياً من ذويها ليقوم بمرافقتها بحجة عدم امتلاكهم تصريح للخروج من قطاع غزة الى القدس, لقد كانت تبكي هذه الطفلة بحرقة ومرارة باحثة عن امها فلم تجدها، وبحثت عن الحنان ايضاً فلم تجده. انت ياتومي وَجَدت يدي والدتك الدافئتين لتحتضنك وقت حاجتك اليها، اما عائشة فلم تجد هذا الدفء.

 اليهود يا تومي ليسوا الضحايا الوحيدين في هذا العالم؛ فكثير من الناس والشعوب قد مروا ويمرون للأن بهذا الاضطهاد ولم يجدوا احداً ليتعاطف معهم.

 اليوم يا تومي تقوم الحكومات الاسرائيلية المتطرفة بالتنصل من العملية السياسة التي قبلنا بيها ما دون الحد الادنى من حقوقنا، وتضرب بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية. فهل يا ترى يتعاملون مع نكرة وليس مع بشراً متساوون. على كل حال يقول الكتاب المقدس:

 (فهنيئاً للمضطهدين من اجل الحق، لان لهم ملكوت السموات )(12) انجيل متى (10.5). ويقول عيسى الفلسطيني عليه السلام ايضاً (انقذني يا رب من اهل الشر. من رجل الظلم احفظني) سفر المزامير (1:140)(13)

الى متى هذا الشر يا ترى وهذا الاضطهاد من قبل الإنسان لأخيه الإنسان، اما آن له ان ينتهي. 

…………………….

الجزء الثاني

بما ان القضية الإنسانية واحدة كوننا من اب واحد وام واحدة، ومن نفس واحدة بالاصل، وجب علينا بشكل جاد من اجل الوصول الى الوطن العالمي الأمن ان جاز لي التعبير، بناء الفكر الإنساني؛ فعقولنا ينبغي لها ان تكون مشرعةً لا أن تبقى في اغمادها؛ فالعقل أحدُ من السيف وامضى، فبه نحارب الجهل والظلم والشر والاستبداد معاً، واذا ما وصلنا الى هذه المرحلة من النضوج الفكري فهذا دليل للمؤمنين منا باننا ملتزمون بالتوجيه الالهي بان نتدبر ونتفكر باياته دائما، وهذه الحالة يمكننا ان نطلق عليها بمفهوم اليوم ولغة العصر ممارسة الرياضة الذهنية. وبهذا سنصل الى نتيجة حتمية مفادها ان سيوفنا ستصدأ في اغمدتها اذ لا حاجة لنا بشن الحروب والغزوات والاعتداء على الاخرين، فإذا قمنا ببناء الإنسان الإنساني وهو الإنسان الكامل الذي نَمت فيه القيم الاخلاقية الى مرحلة التمام، حتماً سنستطيع  ازالة العقبات والموانع التي تمنعنا من الارتقاء والوصول الى مغزى استخلاف الإنسان للأرض، وهذا من باب التفاؤل. وهذا بالتاكيد بحاجة الى جهد جماعي مشترك من جميع الامم والحضارات والديانات لكي لا يبقى مجرد حلم.

أقوم هنا بطرح هذه النظرية المبسطة القائمة على تقسيم الإنسانية الى عدة مستويات.  لكن السؤال المطروح هنا، هل بامكاننا وبمقدورنا ان نقوم بتقسيم الإنسانية الى طبقات عدة ام لا؟ ام علينا الاكتفاء بتقسيمها الى فئتين فقط، فئة صالحة واخرى سيئة. إنسانيون ولا إنسانيون! هذا الحديث يجانب الصواب ولا يعتبر كلام منطقي، فالجنة على سبيل المثال عبارة عن درجات ومستويات عدة، والنار كذلك الامر. وايضاً درجات الذكاء البشري والمقدرة الاستيعابية للبشر متفاوتة وهذه من المسلمات والبديهيات، وهل يا ترى بالامكان تطوير اداة لقياس المشاعر والاحساس ، أخذة بعين الاعتبار تذبذبهما لدى نفس الشخص حسب قدرته واستطاعته على التحمل والصبر للظروف الصعبة وللمواقف التي تواجهه، فهل بمقدورنا ايجاد مقياس مناسب لها يا ترى؟ وأذ نجد السؤال هنا يجيب عن نفسه بنفسه، بأن مقدرة الانسان على الصبر تكون احدى النقاط الاساسية التي يُمكنُنا من خلالها تقسيم الإنسانية الى طبقات ومستويات متعددة. 

يا ترى كيف لنا اذن ان نقوم بهذا الامر ونعمل على تقسيم الإنسانية الى طبقات عدة؟ اذن يجب البحث عن فروقات ومعايير تميز كل طبقة عن اخرى. وكما ذُكر سابقاً فأن المنظومة الفكرية التي نحملها هي ما تميز كل منا عن الاخر، كالقيم، والاخلاق، والمثل العليا، والايديلوجيا الفكرية والعقائدية، التي وبكل تأكيد تنعكس مباشرةً  على سلوكنا؛ فالسلوك هو مرآةً للقناعات المختزنة بداخلنا، والبشر غالباً ما يتصرفون بسجيتهم دون تكلف. والشيء الاخر والمهم المقدرة الذهنية لاستيعاب الامور، والتي تعد بطبيعة الحال متفاوتة من إنسان لاخر.

اطرح هنا هذه النظرية المتواضعة القابلة للتعديل والتصويب لعل وعسى ان تكون خدمة للبشرية، وعلى اقل تعديل لعلها تكون خلاص لفرد ما، وباب هداية له للصعود من الطبقات الدنيا الى طبقة إنسانية متقدمة. ولعلها تكون لبنة اولى لبناءٍ ما، أو نافذة وطاقة يمكننا من خلالها الولوج الى ما نصبوا اليه ونريد. 

وفق هذه النظرية تم تقسيم الهرم الإنساني ذو الاتجاهين الى خمسة مستويات. المستوى الاول والمثبتُ عقلاً هو مستوى الانسان الكامل، الذي يعتبر عينُ الانسانية وغاية المقصود من وجود الانسان. والمستويين الثاني والثالث سنعود اليهما لاحقاً.  اما المستوى الرابع والذي اشرت اليه بالمستوى الحيواني (البهيمي) أو الغرائزي  مثبت بالعقل ايضاً، حيث يوجد طبقة من البشر تعيش بشكل غرائزي ليس إلا. والمستوى الخامس اشرت اليه بالمستوى الدوني او الحضيض، وهذه الفئة ايضاً مثبتة عقلاً، وهي تمثل اللاإنسانية المطلقة والتي لا يمكن لنا ان نساويها مع البهائم.

اما المستويان الثاني والثالث تم اضافتهما انصافاً للجنس البشري، فدرجات الذكاء البشري وقدراته الاستيعابية متفاوته، ولكي لا يتم حصر الامر بين امرين تم اضافتهما. 

نظرية الشكل الماعيني للطبقات الإنسانية

1_ الطبقة الاولى : طبقة الانسانيون: قمة الهرم العلوي وهي مقسمة بين المستويين بالتساوي:

أ_ المستوى الانساني الماسي، الدينيون المؤمنون.

ب_ المستوى الانساني الذهبي، اللادينيون..

2_ الطبقة الثانية: المستوى الانساني الفضي. 

3_ الطبقة الثالثة: المستوى الانساني البرونزي. 

4_ الطبقة الرايعة: المستوى الغرائزي.

5_ الطبقة الخامسة:  المستوى الدوني القاع او الحضيض.

والرسم البياني يوضح ذلك: الشكل الماعيني للطبقات إلانسانية

لماذا تم اختيار شكل الماعين؟  وهذا عائدلـ: 

شكل الماعين هنا يمثل تلاقي هرمان اثنان احدهما علوي والاخر هرم مقلوب اي سفلي. وهذا الشكل الهندسي هو الذي نستطيع من خلاله تقسيم الانسانية الى طبقات مختلفة مع مراعاة واحترام الجنس البشري. فمن غير المقبول على الاطلاق وضع شكل هرمي، اذ لا خلاف على ما يمثل راس الهرم بأعتباره قمة الإنسانية، أذ تكمن المعضلة في قاعدة الهرم كونها اعرض منطقة، اذ سيتم اعتبارُ غالبية بني البشر انذاك بأنهم يقبعون في المستوى الاخير والذي نعتبره مستوى الحضيض أو القاع، مما يجعل غالبية بني البشر مجرمون وما دون المستوى الغرائزي، وهذا بكل ـتأكيد مرفوض رفضاً باتاً.  ولتلاشي الوقوع في هذا الخطأ تم أختيار هذا النموذج.  

لقد تم وضع عدة معايير فرعية بناء على النقاط الرئيسية التالية:

1_ تم اشتقاق الفقرة الاولى من معرفة حقيقة الشخص نفسه، فرحم الله امرئ عرف قدر نفسه.

2_ اما الفقرة الثانية والثالثة والرابعة تم اشتقاقهن من كيفية تعاطي الانسان مع عمل الخير. (السلوك، الفعل والعمل). 

3_ الفقرة الخامسة تم اشتقاقها من كيفية استشعار الانسان الرحمة مع مخلوقات الله ومع الاخرين. (العاطفة، الاحساس والمشاعر).

4_  الفقرة السادسة تم اشتقاقها من كيفية انصياع الفرد واحترامه للأنظمة والقوانين. (الانضباط).

بما أن الإنسان كائن عقلاني وجب عليه اذن أن يخضع طواعيةً للأنظمة والقوانين. اذ يعد الالتزام والتقيد بالانظمة والقوانين  أو عدم الالتزام بها مؤشر قوي جداً على ماهية المنظومة التربوية للفرد. 

5_ الفقرة السابعة تعود على قدرة الفرد للتحمل والصبر  على مواجهة الضغوط والظروف الصعبة. (قوة التحمل).

 

دائرة المنظومة التربوية

ذكرنا سابقاً أن المنظومة الفكرية للشخص هي ما تميز كل منا عن الاخر ، كالقيم، والاخلاق والمثل العليا، والايدولوجيا الفكرية والعقائدية، وبطبيعة الحال تنعكس هذه المنظومة على سلوك الفرد. فالسلوك مرآة لقناعاتنا المختزنة بداخلنا. وهذه المنظومة الفكرية او المفاهيم للفرد لا تأتي عن طريق الصدفة بل من خلال التربية، والتربية كما هو معلوم غير محددة  بجانب معين، كالتربية عن طريق التعليم مثلاً، فكافة العوامل التي يتعرض لها الفرد على مدى سنوات عمرة هي التي تبني هذه المنظومة لدية. فهي غير محددة في جانب معين او لمرحلة عمرية محددة ، فالكائن البشري يتطور بأختلاف مراحل حياتة، والتربية بطبيعة الحال تقوم بصقل شخصيته، وتسير جنباً الى جنب مع هذا التطور.

لهذا فالتربية تعتبر النقطة المركزية والمحورية في دائرة دورة الحياة للفرد، التي تسير بنفس اتجاه عقارب الساعة ولا تتوقف الا بتوقفها، والمستوى الثاني في هذه الدائرة تمثل المنظومة الفكرية لدى كل منا التي تدور في فلك التربية، واما المستوى الثالث الذي يراه ويلاحظه الاخرون فهو السلوك الفعلي لنا (الهالة الإنسانية)، اي بمعنى تفاعلنا مع الاخرين بأعتبارة مرآة لمنظومتنا التربوية، وقيمنا الاخلاقية، والعلاقة ما بين السلوك والعاطفة (الاحساس والمشاعر، المرتبطة ارتباطأً وثيقاً بعملية التربية) هي علاقة متداخلة، طردية وعكسية في آن واحد. وهذه الدائرة برمتها تخضع لتأثير عاملين اساسيين وهما :

1: القدرة الاستيعابية المتفاوتة من شخص لاخر، فلكل منا بصمته الاستيعابية، وقدراته العقلية. 

2: قوة ومقدرة الفرد على التحمل والصبر في مواجهة التحديات والضغوط والصعاب.

دائرة المنظومة التربوية

الاستيعاب عامل مؤثر

 

الصبر وقدرة التحمل

عامل مؤثر

1_ المستوى الاول طبقة الإنسان الكامل: 

ان هذه الطبقة هي افضل طبقة انسانية، اذ يكون الانسان قد وصل فيها الى مرحلة الانسان الكامل، او الى درجة الكمال الإنساني باستثناء بعض الهفوات الصغيرة واللمم من الاخطاء.

اما لماذا تم تقسيم هذه الطبقة الى ماسية واخرى ذهبية علماً انهما متساويتان. والسبب وراء ذلك ليس له علاقة بالافضلية الانسانية بل جاء من اجل التمييز فقط بين الانسانيون المؤمنون من كافة الديانات وبين الانسانيون اللادينيون. واعطائهم هالة ووهج روحاني. عدا عن هذا فكلاهما متساويتان بالمنظور البشري؛ فالانسان يجب ان يكون انساناً لانسانيته حتى لو لم يكن مؤمناً. اما في الشأن الالهي لا يحق لاحدنا ان يتدخل يه.

ما يميز هذه الطبقة: 

1_ يعرف الشخص حقيقة نفسه، وينصف الاخرين منها، ويحافظ على كرامة الاخرين.

2_ مبدأ الايثار: فيقوم الشخص هنا بايثار الاخرين على نفسه.

3_ مبدأ المسارعة في عمل وتقديم الخير حسب مقدرته.

4_ يبحث عَ من هو بحاجه للمساعدة، وان لم يستطع تقديم المساعدة يرشد الاخرين للقيام بها.

5_ لا يقوم بايذاء مخلوقات الله بتاتاً اذ تتجلى فيه صفة الرحمة، ولا يظلم بتاتاً، ويشعر بآلام الاخرين.

6_ يحترم النظام والقانون.

7_  يمتلك درجة عالية من القدرة على التحمل والصبر للضغوط المحيطة والظروف الصعبة.

8_ الزهاد في الدنيا من كلا الفريقين. هذا البند خصص لقمة الهرم، ووضع في الترتيب الاخير في هذه المجموعة لقلة تفاعلهم مع الاخرين؛ فخير الناس انفعهم للناس.

ويمكن لنا ان نصف انسان هذا المستوى بأنه الانسان الذي نستطيع الاقتداء به.

2_ الطبقة الثانية المستوى الفضي:

1_ يعرف حقيقة نفسه وينصف الاخرين ايضاً ويحافظ على كرامتهم.

2_ يؤثر الاخرين في مواقف متعددة.

3_ يتوانى ويؤجل عمل الخير ومساعدة الاخرين.

4_ لا يكلف نفسه عناء البحث عن اناس بحاجة للمساعدة.

5_ لا يقوم بايذاء مخلوقات الله و تتجلى فيه صفة الرحمة، ولا يظلم، ويشعر بآلام الاخرين.

6_ يحترم الانظمة والقوانين.

7_  يمتلك درجة عالية من القدرة على التحمل والصبر للضغوط المحيطة والظروف الصعبة.

3_ الطبقة الثالثة المستوى البرونزي:

1_ يعرف حقيقة نفسه، لكنه نادراً ما ينصف الاخرين.

2_ لا يؤثر الاخرين على نفسه.

3_ نادراً ما يقوم بعمل الخير ومساعدة الاخرين,

4_  لا يبحث مطلقاً عن اناس بحاجة  للمساعدة.

5_ لا يؤذي الآخرين ويستشعر الرحمة أحياناً ما، ونادراً ما يظلم الاخرين او يشعر بآلامهم.

6_ يخرق الانظمة والقوانين في بعض الاحيان.

7_ لديه مقدرة متوسطة على الصبر وتحمل الضغوط والظروف الصعبة. 

4_ الطبقة الرابعة: مستوى (الإنسان الغرائزي):

وهي اعرض منطقة، وتعتبر بمثابة منطقة الاندماج بين الهرمين. 

1_ لا يعرف حقيقة نفسه ولا ينصف الاخرين بتاتاً، فارغ المضمون والمحتوى، ولا يراعي كرامة الاخرين.

2_ حب الذات (اناني).

3_ نادراً ما يقوم بعمل الخير. 

4_ لا يساعد الاخرين وبالكاد يقدم المساعدة للاقرباء منه مع التمنن عليهم.

5_  لا يتورع من الايذاء الجسدي للاخرين ويمارس الظلم ولا يراعي غالباً مشاعر الاخرين، ونادراً ما يشعر بالرحمة مع مخلوقات الله، ولا يشعر بآلام الاخرين.

 6_ غالباً ما يخالف الانظمة والقوانين.

7_ لدية مقدرة منخفضة جداً ومتذبذية على الصبر وتحمل الضغوط والظروف الصعبة.

يمكن وصفة بأنه انسان غرائزي _ بهيمي، وتغلب عليه صفة اللامبالاة لامور كثيرة جداً.

وهذه الطبقة غالباً ما يتساقط افرادها الى المستوى الدوني. وفي هذ المستوى يتم اهدار للقيمة الانسانية بشكل كبير. عندما يعيش الانسان حياة فارغة بلا مضمون، ويمارس دورة الغريزي فقط ففي هذه الحالة يتساوى مع الحيوان. من المحتمل الا يقوم بايذاء الاخرين ولكته في المقابل اهدر قيمته الانسانية.  

5_ الطبقة الخامسة المستوى الدوني الحضيض او القاع:

هذه الطبقة تعتبر رأساً للهرم المقلوب وهي طبقة مزدحمة ومكتظة جداً بالقتلة والمغتصبين والمجرمين بشكل عام، وممن لا يراعون الكرامة الانسانية بتاتاً. وليس من العدل ان نساويهم مع البهائم، اذ تميز الانسان بالعقل والادراك والاختيار ما بين الحسن والقبيح فاختارت هذه الطبقة وروادها القبح بعينه. ومن غير المقبول انسانياً ان نعتبر على سبيل المثال شخصاً ونصفه بالانساني بمجرد  مراعاته الانسانية من ناحية شكلية مع الاصدقاء والعائلة مثلاً، وفي المقابل لا يتورع من ايذاء اناس اخرين؛ فالانسان يجب ان يكون انساناً مع كافة الناس لا مع فئة دون اخرى، ومع مخلوقات الله ايضاً. فالجبابرة والمستبدين والطغاة وأن اظهروا انسانيتهم في جانب ما من حياتهم فهذا دليل على النقص. وهذه الطبقة تشمل ايضاً كل من كسر حاجز الطبيعة البشرية او هتك ناموسها وحيائها كالمثليين اصحاب الشذوذ الجنسي عبدة الشهوات. ويقول القرأن الكريم عنهم: 

(أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالانعام بل هم اضل سبيلا) الفرقان 44.(14)

إن الشكل الماعيني للطبقات الانسانية أو الهرم ذو الرأسين غاية في الروعة والجمال، اذ نجد في قمة الهرم العلوي الغني والفقير، واصحاب الرسائل العلمية والامي، والعامل والطبيب جنباً الى جنب، وكذلك الامر في كافة المستويات. فالمقياس هي القيم الاخلاقية وانسانية الانسان ومدى التزامه بها. اذ لا يأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية كالغنى والفقر مثلاً.

راشيل نراها في قمة الهرم على سبيل المثال، ودونالد ترامب والطغاة من امثال هتلر وهولاكو و أريئيل شارون، و أندرس بهرنغ بريفيك*، وبرينتون تارانت*، ومنفذي مجزرة سبايكر في العراق عام 2014م، وغيرهم في الحضيض. ومن مغريات هذا الهرم انه ليس بثابت فليختر كلٌ منا مكاناً وموضعاً له دون كلفة تذكر.  يقول رسول الانسانية والعالمية محمد صلى الله عليه وآله وسلم (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)(15) 

 وهنا اشير ايضاً الى امر في غاية الاهمية اذ ان من اكبر الاخطار التي هددت العالم عبر تاريخ البشرية الى يومنا هذا، استلام زمام الامور وتولي فرد من ادنى طبقتين، القيادة ورئاسة الدول. فذلك يعتبر جريمة بحق البشرية. اذ ستنعكس دونيتة على شعبه، وعلى امم الارض، و العكس صحيح.

30 \ 5 \ 2019م

محمد زهدي شاهين| طالب دراسات عليا- معهد التنمية المستدامة _ جامعة القدس

المراجع

1_ نهج البلاغة ج(3) صفحة 82، الامام محمد عبده.

2_ سورة النحل آية 97.

 3_ الروم آية 22. 

4- ويكيبيديا الموسوعة الحرة.  https://ar.wikipedia.org/wiki/، الهولوكوست.

5- ويكيبيديا الموسوعة الحرة. https://ar.wikipedia.org/wiki/، سايكس بيكو. 

6_  ادموند اللنبي. https://ar.wikipedia.org/wiki/.

7- ويكيبيديا الموسوعة الحرة. https://arz.wikipedia.org/wiki/، وعد بلفور

8_ سورة المائدة آية 278_ا

9_الجريمة حاضرة بتفاصيلها       . https://www.arab48.com

10_ موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية. https://mfa.gov.il/MFAAR/InformationaboutIsrael/TheHolocaust/ChildrensTestimonies/ 

11_ سفر اللاويين (17.22).

12_ انجيل متى (10.5).

13_ سفر المزامير (1.140). 

14_ الفرقان آية 44.       

 15_ مسند احمد (8729).

  1. أندرس بهرنغ بريفيك*: يميني نرويجي ارتكب هجمات النرويج عام 2011م. *

https://ar.wikipedia.org/wiki

*برينتون تارانت*: مرتكب هجومي كرايستشيرش في عام 2019م في نيوزلندا. 

https://ar.wikipedia.org/wiki

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى