حكايا من القرايا ” التحايا “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

قالوا “الحياة مفاوضات”، وأنا أقول “الحياة مجاملات… وردّ سلامات”… تسير في الشارع فتطرح السلام، فيرد عليك بأحسن منه… وإذا قابلته بدأت السلامات وأسئلة التحيات تنهار مدراراً: كيفك؟ شو أخبارك؟ عساك بخير؟ طمني عنك… وإذا جلس بعد أن أخبرك أن كل شيء على ما يرام، عندما يجلس يستفتح كلامه بصباح الخير أو مساء الخير، أو مرحباً… ويبدأ بطرح مشاكله، فتجده ليس بخير… إنما أجوبته أنه بخير كانت مقدمة تفاؤلية فقط.
تقدم له فنجان القهوة… يحتسيه ويرده فارغاً بالقول” إن شا الله بالعودة ” بعودة البلاد، ثم تقزّم القول إلى “بعودة الغياب”، أو بعرس الشباب… ويكون رد المعزب بحياتك إن شاء الله.
تمر عنه وهو يعمل بجد وعرقه مرقه، فتصيح: صح بدنو… يرد: بدنو يسلمو… وإذا مررت به على بيدره حيث الغلة والخيرات، فإنك تقول ” ع البركة ” فيرد “حلّت ” أي حلت البركة بوجودك أو مرورك…
إذا تزوج، أو خطب، أو اشترى أداةً ما، أو قمبازاً أو قميصاً، فعليك أن تبارك ” مبارك ” وحينها يدعو لك” بارك الله بك ” وعقبال عند الشباب، وذلك للرد على مباركة خطوبة أو زواج… وإذا اشترى حمارة أو سيارة فمباركتها “الله يعطيك خيرها، ويكافيك شرها” والرد “الله يبارك بك، ويرزق الجميع يا رب… وإذا كان بائعاً، وأمامه بضاعته” فالله يجبر عنك ” دعوة مناسبة… والرد عن الجميع إن شاء الله…
والحج المبرور، والسعي المشكور، والذنب المغفور… تلك هي دعوة الحاج… وردها ” عقبال عندكم يا رب” وتقبل الله… دعوة بذيل الصلاة… وردها “منا ومنكم” …
ومن الطرائف… مرّ أحد الختياريّة على شاب، كان جالساً ويتوضأ من إبريق تنك… فحيّاه الختيار، ودعا له “مزمزم” أي إن شاء الله تحج أو تعتمر وتتوضأ بماء زمزم، فاحتار الشاب المسكين في الرد، وفكر، ثم انطلق بدعوته “الله يزمْنا ويزمْكم” فصاح به الختيار: غور غوّارة اللي تغوْرك… قول “بصحبتكم جمعاً ” بمعنى نحن وإياكم هناك في الحج… هذا إضافة إلى دعوة بلفظة واحدة، مثل ” عمار “…
ومن الملاحظ أن الدعوة عند النساء أطول منها عند الرجال، مثل” الله يحفظتش ويخلليتش، ويخللي لك محبينك… إن شا الله وانت ع إديتش الصبي” ويكون الرد “يا رب، من ثمتش لباب السما، يسعدها يا رب، ويحسن ختامها” وقد تطلب من الصبي أو البنت التي تحملها بين يديها ولا تستطيع الكلام بعد، أن تحيي المرأة الأخرى، وهناك تأتي التحية على لسان الطفل المتخيل ” تيف حالت يا تتي ” كيف حالك يا ستي… فترد المرأة المحيّاة على الطفل بلسانه “يخلليه ربي ويسعدو ويتشبرو… “
والملاحظة الثانية أن هذه التحايا وردودها قد تختلف من منطقة إلى أخرى… بألفاظها، أو بطريقة نطقها… ولكنها في الأحوال كلها تبقى مفهومة للجميع… وبارك الله بلهجتنا… وبتراثنا… وبقيمنا الاجتماعية التي ترفد المجتمع رؤىً وثقافة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى