أدب

هل يعود المسرح إلى الهواء الطلق؟ ​

 علي جبار عطيّة

    فأجأنا شابٌ صارخاً من الظلم الذي وقع عليه بسبب سلب داره!
كان ذلك في منتصف الثمانينيات إذ كنتُ آيباً من كلية الإدارة والاقتصاد التي أدرس فيها بمنطقة الوزيرية في بغداد، مالَّاً من الانتظار، جالساً بمقعدي بأحد باصات النقل العام.
كان ركوب الباص أو الحافلة ـ كما يحلو لأهل العربية ـ يسهم في تخفيض تكاليف الدراسة الجامعية التي لم تكن مُكلفةً كما هو الحال في أيامنا الحاضرة لكنَّ الحصول على تخفيضٍ قليلٍ أفضل من اللا تخفيض فالحرمان أقل من القليل!
لم أكن أدري أنَّ الشاب الذي يصرخ، ويتأوه ما هو إلا ممثلٌ يؤدي دوراً في ما يسمى بـ(مسرح الشارع) !
لم نصفق له بعد انتهائه من هذا المشهد المؤثر ، ولعلنا اندمجنا معه، وخفنا عليه من التساؤلات الأمنية،وانطوت علينا اللعبة المسرحية !
يُعرّف الدكتور بشار عليوي مسرح الشارع في كتابٍ له بهذا العنوان بأنَّه: (كل عرض مسرحي يقدم في الشارع والساحات والأماكن العامةمتخذاً من الناس المتواجدين عشوائياً جمهوراً له ومستلهماً موضوعاته من الواقع اليومي بهدف إيصال أفكاره عن طريق المشاركه التفاعلية مع العرض).
حين يبحث المرء في التاريخ يجد أنَّ مسرح الشارع بدأ على يد الكاتب اليوناني (فيسبيس) في القرن السادس قبل الميلاد المعروف بالمسرحي الأول في تاريخ المسرح اليوناني، وهو يسبق الكاتب الشهير (أسخوليوس) في القرن الخامس قبل الميلاد.
بدأ المسرح من الشارع، وكانت العروض المسرحية تقدم في الطرقات، ولكنَّ الولادة الثانية للمسرح بدأت بساحات القرى والطرقات والشوارع في أوروبا ثمَّ صارت العروض المسرحية تُقدم في الكنيسة، تحكي قصة السيد المسيح عليه السلام، ولعلَّ القداسة في المسرح جاءت من هنا.
لكنَّ هذا لم يحل دون تقديم عروض وسط المدن والقرى،والحدائق العامة، وصار المسرح يسمى بـ(المسرح الجوال) نسبةً إلى كثرة تنقله، وجرت الاستفادة منه للتوعية وبث الأفكار خاصةً في الدول الاشتراكية.
كيف يقدم هذا النوع من المسرح المتنقل؟ يمكن أن يقدم بعربات مفتوحة على كل الجهات مع مستلزمات العرض من ديكور وإضاءة وموسيقى، وصوت وغيرها، أو يقدم من دون ذلك كله.
حين اجتاحت العالم جائحة كورونا ظهر اتجاه يدعم عروض مسرحية تُقدم عن بعد.
لكن هذا التوجه لم يكتب له النجاح خاصة بعد انحسار تأثير الجائحة على الحياة عامة والفنون خاصة.
يقول المخرج المسرحي المصري فهمي الخولي في تحقيق صحفي: مايحدث الآن من مهرجانات مسرحية (أون لاين) أو مشاهدة عروض عبر الإنترنت، هو مخالف تماما لطبيعة المسرح، فالاتصال المباشر بين الجمهور والفنان على خشبة المسرح هو أهم شروط العرض المسرحي، فوجود الجمهور في العرض يجعل هناك عدوى للضحك وعدوى للتصفيق والاستحسان.
يضيف: أتذكر أنَّ هناك فترة من الزمن انتشر فيها مسرح التلفزيون الذي كان عبارة عن تقديم عرض غير ناضج، وقد فشلت فشلاً ذريعاً ، فحينها أتذكر كنت في زيارة لوزير الإعلام السعودي السابق رحمة الله عليه محمد عبده يماني وبدأ يتحدث معي عن مأساة العروض التلفزيونية وكيف أنّها مليئة بالعيوب الفاضحة، فعندما تشاهد عرضاً مسرحياً من خلال وسيط فأنت تراه بعين مخرج ذلك الوسيط، وليس بعين مخرج العرض ذاته، أي أنك لا ترى العمل كاملاً .
تبقى المضامين مهمة، ويجب أن تكون مأخوذة من هموم الطبقات الشعبية،فالمسرح حين يكون جماهيرياً فله رسالة يخاطب بها جمهوره، ولا يتنصل من احتياجات تلك الطبقات، لأنَّه ولد من معاناتهم، ويجب أن يعبر عنها.
والسؤال المهم: هل يبقى المسرح صامداً أمام المد التكنولوجي الكبير، والثورةالرقمية، أم ينحسر تدريجياً، ويقتصر نشاطه في الحقل الأكاديمي، ولعله يقدم في المدارس مثلاً كفعالية مطلوبة إنْ لم يكن مكانه في المتاحف !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى