الأسئلة العشرة

أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري

عندما انتصر الإسكندر الأكبر في أعظم معاركه في الهند اعتقل عشرة من الفلاسفة، وقال لهم: “سأقتل صاحب الإجابة السيئة، إنه الامتحان الأصعب في الحياة”، واختار قاضياً من بينهم، ثم سأل الأول: أيهما أكثر عدداً؛ الأحياء أم الأموات؟ فكان الجواب: الأحياء، لأن الأموات لا وجود لهم. سأل الثاني: أيهما أكبر؛ حيوانات البر أم البحر؟ فأجاب الفيلسوف: حيوانات البر، لأن البحر جزء من البر؟ ثم سأل الثالث: كيف تستطيع أن تقنع إنساناً بأن يتمرد على عيشه؟ فأجاب: بأن أؤكد له أن الإنسان إما أن يعيش كريماً أو يموت كريماً. فسأل الرابع: ما أخبث الحيوانات؟ فأجاب: التي لم نكتشفها بعدُ. وسأل الخامس: أيهما أسبق..الليل أم النهار؟ فأجاب النهار أسبق من الليل بيوم واحد! ثم سأل السادس: ما يفعل الإنسان ليكون محبوباً؟ فقال: بأن يكون قوياً لا مخيفاً. ثم سأل السابع: كيف يكون الإنسان إلهاً؟ فأجاب: بأن يصنع المستحيل، ثم سأل الثامن: أيهما أقوى الحياة أم الموت؟ فأجاب: الحياة أقوى لأنها تحمل كل المصائب ومع ذلك تحرص على الاستمرار، ثم سأل التاسع: إلى متى يحرص الإنسان على حياته؟ فأجاب: إلى أن يشعر أن الموت أفضل من الحياة..ثم اتجه الإسكندر إلى الفيلسوف العاشر  وسأله: هل رأيت أعظم مني؟ ففكر الفيلسوف لحظة ثم قال: أنت أعظم إنسان في بلادك. ولم يسترح الإسكندر لهذا الجواب، ولكنه قال: حقاً، أنا أعظم إنسان هناك، ولكن الشمس هنا أعظم.

إن تساؤلات الإسكندر تكشف شخصيته الحائرة والتي تبحث عن إجابات طالما حيرت الكثيرين في هذه الحياة. كما عكست رغبة مُلّحة في الخلود. كان الإسكندر يعتقد أنه أعظم قائد في الوجود؛ فقد أقنعته أمه أنه ابن كبير الآلهة، وكان الإسكندر يغضب إذا انتصر أبوه في معركة عسكرية، ويقول: ماذا سيترك لي؟ جعله والده ملكاً على البلاد، وفي الثانية والعشرين من عمره قرر السفر على رأس جيش كبير إلى آسيا، ولم يكن يدري أنه ذهاب بلا عودة، فلم ير بلاده بعد ذلك.

ولعل عظمة الإسكندر تعود لعبقريته الفذة وذكائه وطموحه اللامحدود، وكذلك لشجاعته النادرة؛ فقد كان يتولى قيادة المعارك ويتقدم قواته عند القتال، كما كان له تأثير كبير في جنوده. وقد ذهب المؤرخون بخيالهم بعيداً وتساءلوا ماذا لو عاش الإسكندر طويلاً؟ كان ليغير وجه التاريخ، ولكن القدر لم يمهله كثيراً فقد مات ولم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره. ولقد مات وترك أخطر آثاره وهي التقارب بين الحضارة الإغريقية وحضارة الشرق الأوسط، فاكتسبا معاً ثراء واسعاً يدينان فيه لعبقرية الإسكندر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى