يوم المرأة العالمي

جميل السلحوت | القدس

ممّا جاء في كتابي”أشواك البراري- طفولتي” الصادر عام 2018 عن مكتبة كل شيء في حيفا، عن أوضاع المرأة في خمسينات وستينات القرن العشرين.

              لم يكن للنّساء أيّ اعتبار في ذلك الزّمن، ولم يقتصر دورهنّ على الانجاب فقط، بل كنّ عاملات بكلّ ما يعنيه العمل الشّاق، فالمرأة كانت تزرع وتحصد، تحلب الأغنام، تعمل الحليب جبنا أو لبنا وتستخرج منه الزّبدة، وتصنع منها السّمن البلدي. وفي الرّبيع تخلع الأعشاب الضّارة من حقول الحبوب، وبعد الحصاد تعمل على إزالة الأشواك من الأرض وهكذا، عدا عن الحمل والولادة والرّضاعة للأطفال والعناية بهم، وما يترتّب على ذلك من غسيل وتنظيف وطبخ، وبعض النّساء من زوجات وبنات مربّي الأغنام كنّ يغزلن الصّوف، وينسجن منه “جرازي” للزّوج والأبناء في فصل الصّيف، وما يتبقّى ينسجن منه “النّول” البلدي بأشكاله وتسمياته وألوانه المتعدّدة، وممنوع على المرأة أن تقول “لا” حتّى ولو كانت مريضة! وكانت تتعرّض للضّرب بسبب وبدون سبب، فعندما كان تخرج الفتاة عروسا من بيت والديها، كانوا يقولون للعريس ولذويه:” لنا العظم ولكم اللحم”، أي اضربوها لكن لا تكسروا عظامها! بينما كان دور الرّجل يقتصر على بيع الحليب ومشتقّاته لتجّار القدس، ويلعب مع أقرانه “السّيجة” وهم يحتسون القهوة والشّاي متّكئين على جنوبهم، ويشتكون من الجهد والتّعب!

            بعض الرّجال عمل في تهريب البضائع كالأقمشة والسّجائر من الأردن لصالح تجّار القدس، وبعض آخر كان يسطو على ملّاحات البحر الميّت، يحمّلون دوابّهم بالملح الذي كانوا يقايضونه في قرى رام الله، بالزّيتون والقطّين، العنب والتّين، ولاحقا عمل البعض بزراعة الخضروات المرويّة بمياه المجاري في واد الدّيماس، عندما عملت شبكة مجاري للصرف الصّحّيّ في القدس في بداية أربعينات القرن العشرين، لتترك مكشوفة في منطقة السّواحرة.

    ولم يكن للنّساء رأي في الزّواج، فوالدها من يقرّر نيابة عنها، ولا يجوز لها الاعتراض أو الرّفض مهما كان فارق العمر بينها وبين من يطلب يدها، أو لأيّ سبب آخر.

            النّساء والأطفال ممنوعون من ابداء الرّأي، بل ممنوع على الأبناء مهما كان عمر الواحد منهم أن يتكلّم في حضرة أبيه أو جدّه أو عمّه، وحتّى من كانوا آباء ووالدهم موجود ممنوع عليهم أن يتدخّلوا في زواج بناتهم، فالجدّ ما دام حيّا هو صاحب الرّأي والمشورة في زواج حفيداته، أو أيّ أمر يتعلّق بالأسرة، ” مش معقول ابن بولي يخالف شوري”!

ولم يكن للمرأة أيّ قيمة انسانيّة، بل إنّ وجودها مرفوض، وسعيد من يخلّف الذّكور ولا يخلّف البنات، لأنّ البنت ليست خلفا، لذا فإنّ من أنجبت بنتا أو أكثر يدعون لها ولزوجها بالخلف الصّالح، والمقصود ابن ذكر أو أكثر، وبناء عليه فإنّ من لم تنجب أبناء ذكورا تتحمّل مسؤوليّة ذلك! وقد تتعرّض للطلاق أو لزواج زوجها من أخرى. وهذه المواقف مدعومة من الثّقافة الشّعبيّة التي لا يزال بعضها سائدا حتّى يومنا هذا، لذا فإنّ شرط حماية استمراريّة الحياة الزّوجيّة للمرأة هو أن تنجب أبناء ذكورا، “الاولاد اوتاد”، وعدم انجاب البنات وحتّى وفاتهنّ أمنية اجتماعيّة،” اللي بتموت وليته من حسن نيته”! وإذا ما وُلدت البنت فإنّها لا تحتاج إلى رعاية كالابن الذّكر،” البنات مثل خبّيزة المزابل”! أي تنمو وتكبر بسرعة دون رعاية، وتدليل البنت من الكبائر” دلّل ابنك بغنيك، ودلّل بنتك تخزيك”! ومن المفارقات المحزنة ” ابنك لك وبنتك لغيرك”! و”خير ابنك لك، وخير بنتك لغيرك”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى