قسمات العنايات الربانية
أجدور عبد اللطيف | المغرب
السفر الأول، الخطاب الرابع
ثغر اسطيحات، تخوم جبال الريف شط المتوسط
في الثلاثين الخاتم لصفر الحرام، الفاتح لربيع الأول المعظم ببركات النبي الأكرم، عام أربع وأربعين وأربعمائة وألف.
عزيزي إ.
محبة تسرّي ما بالنفس من بعاد، وتحية تكفكف أشواق الإخوة المتلاقين قريبا بعون الرؤوف،
وبعد،
يستدعيني باكرا هذا الصباح اللذيذ، يجيء مخاتلا متراقصا غير متلفع بتواضع مزيف، يواعد طبيعة تبدو أكثر تجددا وانطلاقا، حتى خضرة الحقول المتاخمة تبدو أكثر نضارة. اخضرارا، أما المنازل المصفوفة بعناية تشكيلية فيشع بياضها كأنها مرايا عاكسة معاكسة.
كل شيء يبدو موجودا هذا الصباح بقوة وحضور جاد، وابتهاج كثيف لا تخطئه العيون والأفئدة ولا البصائر الصبوح النافذة، إن الحياة لا تنقطع عن كونها مريبة ومستعصية على التمام، غير أنها ترسل دعواتها للحائرين المكروبين في صباحات بهذا اليقين الشاهق. الذي لا تخطئه روح، هذه الطاقة الكونية الوضاءة التي تتسرب إلى دهاليز النفوس البشرية المتشعبة، والمتعبة لتنفث فيها فرحا خفيا، كضوء بدر متأخر ينطلق واثقا كوعد غامض.
يحز في المرء تنقله وارتحاله بين ارتفاعات الحياة وهبوطاتها، بفجاءة وحدة، لكن يحز فيه كذلك أن يعجز على تلقف بذور الأمل وشتائل التطلع اليقيني للوعود الربانية والألطاف الإلهية المتناثرة في ثنايا الوجود الفسيح، ذلك المدد الذي لا يتحسسه من لا تملك روحه أنامل صوفية تستشف المعنى في كل خطب وخطاب وتستجلب الوصال في كل سر وسرور.
مع بالغ السلام وبليغ الكلام.