حكايا من القرايا.. ” الفرشات”

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

أول ما دخلت صالون بيته اندهشت… اضطررت أن أخلع نعليّ على عتبة الصالون، الصالون واسع كالبحر… ساحر كالربيع… يتضوع عطراً كحديقة تزهو بورودها… داير من دار وعلى الجهات الثلاث تأثث بالفرشات… ونصف الجهة الرابعة التي فيها الباب، كسيت بالفرشات أيضا… وعلى كل فرشة وسادة وضعت بشكل موازٍ للواجهة يضعها الضيف وراء ظهره عندما يجلس، ووسادتان ومسند من القش تحتهما يتكىء عليها الضيف في جلوسه…
جلس على فرشة، وجهز غليونه بالتنباك، وجلست على أخرى متأملاً المنظر الرائع، الذي بدأ يتلوث بدخان الغليون السمج… وبعد الانتهاء من السؤال عن الحال والأحوال، وعن الصحة والعيال، وعن موسم الزيتون والغلال… والرد على الأسئلة في الحال… بالتمام والكمال… بادرته بالسؤال:
كيف حصلت على هذه الفرشات، مقلمة الوجوه، المريحة، وهذه المساند القشيّة…؟
قال أبو موسى: كانت الحجّة – الله يعطيها العافية – تشدّ كل عام فرشتيْن على الأقل، تجمع صوف النعاج، وتغسلها، وتنجّدها، ثم تخيط عليها في هذا القماش المقلّم، وتكون فرشات صوفية، وأنا كنت أصنع المساند، أحشو القش في بيوت قماشيّة، ثم أشدّ عليها بثقل كالمكبس، وأربطها بقوة… حتى تصبح كالحجارة أو أشد قسوة… ما شاء الله، قلت: يعطيكم العافية… قال: انظر إلى وهد الفراش في الحيط، كشف عن شرشف يغطيه، ورأيت مخزناً للفرشات والوسائد واللحافات والمساند… أنزلت إحداها لأقارب وزنها، كانت ثقيلة فعلاً… واللحاف الصوفي ذو الغطاء الأبيض الناعم لا يقل وزناً عنها… جلست مشدوهاً: أتأمل الوسائد، وأستمتع بما طُرّز عليها من عصافير وطيور… وأقرأ ما كتب عليها: أحلاماً سعيدة… أهلاً وسهلاً… شرفتونا… ياه أنت إذن في ترحاب دائم…!
دخلت أم موسى بصينية الشاي، في يد، وفي الأخرى إبريق الشاي، حيّت ورحّبت وسألت كما سأل زوجها ويزيد… ووجّه أبو موسى الكلام لها: شايفي، ظيف الرحمن مستغرب من هاي القعدة العربية اللي عاملينها، من الفرشات والطراريح والمساند… ضحكت أم موسى، ووجهت الكلام لي: كل سنة سنتين يمّا بفرطهن، وبغسل صوفهن، وبقيت أودّي الصوف ع المنجّد… بعدين صرت أنا أنجده… وبعدين برجّع كل شي على ما هو… وضحكت… هذول كانن راس مال يَ بنيّي… لما الفقر بقا يهجم، وتكون سنة فيها قلة مطر، وتمحل الغلة، ويجف الضرع بدري، بقينا يَ بنيي نفرط الفراش ونبيع صوفه… الصوف يا بنيّي مثل الذهب، بتخزن، وبس نعتازه بقينا نلاقيه… ما سمعت بالمثل اللي بقول “سنة القطا… بيع الغطا… ويا ما مر علينا سنين قطا وأيام محل… أنا، والله ما دريت كيف شربت كاسة الشاي، وأنا أصغي لامرأة فلسطينية، عاشت حياتها على التدبير والاقتصاد والقناعة، وكيف تجرأت لطلب كاسة ثانية… فنهضت أم موسى لتسخين الشاي الذي برد…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى