صناعة العروض، تجلي الإيقاع (1)

عمارة إبراهيم | شاعر وناقد مصري

مقدمة

اللغة،هي عوالم حياتية خرجت من بذور الفعل، وإدراكه، والميل لتنفيذه، وهنا وفي هذا المقام، يتعدد الفعل بثابت حاله، ليتطور في بلاغته، وعمق رؤاه، وإيقاعه، وصوره المتعددة إلي أن يصل إلي جمال يتفاعل مع الروح ويسمو في لغة تختلف باختلاف فعلها، وتطوره.
فالجمال هنا لابد وأن يخرج من رحم – اللغة الفعل-،لأن اللغة خلقها الله للتعبير عن حال الفعل وجوهره،ومن ثم يتوجب علي لغة الفعل الشاعرة،أن تمنح فيض جمالها لهذه الشاعرية التي ترتب لفعل حال، أو خرجت منه بضفيرتها وبنائها الذي يخرج من موهبة، تمتليء جنباتها من كل ألوان الثقافات والمعرفة، كما أنها لابد وأن تمتليء خزائنها من فيض بحرها اللا منتهي.

تدخل كل هذه المعطيات في ماعون التشكيلات البديعة،ولابد وان تتفاعل مع تطور حالها،في زمانه،ومكانه، كي تستقيم في بناء قالبها،الذي يتوجب أن يتجانس مع هذا التطور الحالي،في بناء زخرفي، أدواته هذه التشكيلات فائقة الجمال الذي أنتجته كل المعطيات، التي ذكرتها، وهي تختلف من مبدع، إلي آخر، حسب ما يملك من فيض المعرفة واللغة البحر، والموهبة.
واللغة،وهي المعبرة عن مكنون الحال الشعري، عليها أن تنتج شكل بنائها في زخرفة تتوافق مع سعي الشاعر في تعددية الجمال من خلال بناء يحمل عمقا فلسفيا،او صوفيا،او رومانسيا،او واقعيا،أو كل هذه المعطيات أو بعضها في نسق جمالي واحد داخل النص الواحد،أو النصوص، حسب استدعاءات الحال لاحتياجاته من المخزون العقلي الذي يتوفر عند شاعر عن الآخر،وبحسب ما تقوم عليه الموهبة من تضفير.داخل النص الشعري.

أشكال بلا هيئة،وظلال بلا لون

هي مقولة مبدعة من الرائع”ت س اليوت” وهي تؤكد أن الأشكال في ظاهرها وإن بدت جميلة،لا تعبر عن منطوق بطنها.

وقد يبدو الشكل غير جميل،لكنك حين تغرس بذرتك في عمق أرضه، فقد تظهر بواطن الجمال الذي لم تكن تتوقعه، ومن هنا يترسخ لنا مبدأ “البطن في محتواه،يغلب الشكل في مرتجاه.” ….”هذه مقولتي”

تجليات الشعرية

نعود إلي إبداع الشعر،وهو أرقي جملة الإبداع الإنساني مع سيد الفن “المسرح”حيث تتجلي مخازن العقل والعاطفة، في رصد سماوات الإنسان في منتج فعله،حيث تنتفض تجاربه في وجدان الشاعر، ليكون الهامه الوجودي، ومحقق أدوات تجليه،ليحلق في فضاءات هذي السماوات التي تتحلي بواسع مدارك الفعل، ليرتقي الشاعر إلي أعلي مراتب التجلي الإنساني، حتي يصل إلي منتج إبداعي في شكله أيضا المبدع، ليصل إلي المتلقي،في صدمة جمالية، تخرج به من عوالم العامة،إلي فضاءات سباحة في جمال الإنسان.
هذه الصدمة الجمالية،لابد وأن يتسيدها إيقاع يرفع من حجم دهشتها، ويفيض بها من بحر جمال تجلي الروح في استقبالها لتتراقص معها الأبدان.
هذا الإيقاع هو ولادة طبيعية من رحم اللغة الفعل بشقيه ،الأول إيقاع اللغة- اللغة.
والثاني ايقاع اللغة الفعل، وهو يختلف كليا عن إيقاع ترتيب الحروف وترتيب الكلام،ترتيبا حسابيا،لتصنع إيقاعا صارما من خلال أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي، تكون فيه اللغة هي سيد الإيقاع في تجلياتها هي وليس تجلي اللغة التي لا يتسيدها الفعل بايقاعه الذي يشق الروح ويرتبها في بهاء مستحيل.

والإيقاع في تجلي الحال،واختيارالمفردات التي تتشابك معه، لتحقق للفعل تسيده في توفيق شكل يرسمه اللا شعور، يتوافق مع التطور الزمني للفعل،كما ان البيئة التي يتعايش في واقعها الشاعرلابد وأن تكون لها نطفة تتحقق بزخرفه لغوية في بناء تتسيده موهبة الشاعر الذي يسعي الي إبداع نص يختلف عن الآخر حتي يتفرد به عن مثيله.

والجديد في منتج هذا النص الشاعر،أن يجد من يعتلي منبر الجمال، في تلك السياقات البعيدة علي الدرس، وهو يدخل عوالم فعله”النص”، ليجد لنفسه مرآته الشفافة،التي تجسد وتشرح مراتب تطور شكله وحال فعله، ومنتج بنائه، بإنتاج نص آخر، يتوازي في التطور العام في الكتابة، وفي عوالم تفرده لكن بترتيب العقل والعلم والمعرفة، وبمنهج يرسخ له، ويجعله في قائمة التطور الإبداعي الموازي للنص الشعري.

وهنا علي الناقد أن يبحث عن الوسائل العلمية من خلال منهج يتوافق مع رؤيته الناقدة،التي تميزه بإبداع نص آخر يكون قرينا له، لكن بشرط دخوله عوالم النص الشعري دخولا ميدانيا،ومعاينة صادقة ومحايدة، تتيح له الخروج بتجلي آخر، مواز،في الولادة، يحقق له تفرده أيضا، ليكتب نقدا ينبت من رحم هذا الإبداع الحقيقي، الذي ولد في شكله وجوهره، ليتحقق منه،نصا موازيا أيضا ذات فرادة.

ولو عدنا الي طريقة كتابة النص الشعري في الزمن القديم، حيث كان العرب يرتقون بحياتهم ،بإقامة أنشطة المبارزات والمسابقات، في فنون متعددة، مثل فن ارتجال الشعر، والقائه وإقامة مسابقات المبارزة بالسيف، ومسابقات الفروسية، وغيرها .

حيث مثل الشعر لهم أرقي أنواع هذه المبارزات، لعراقة اللغة العربية، وجمالها، وماتجعل لها من فخامة من يتقن فنها الشاعر في عراقة، ورصانة بين القبائل، كما أن جمال جرسها، يمثل سيادة للإيقاع بين الفنون الأخري وقتها.
وكان الشعراء في العصر الجاهلي، يرتجلون الشعر علي إيقاعات صهيل الخيول، ودقات الطبول، والدفوف، وغيرها من الإيقاعات المستخدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى