العقد الاجتماعي الفلسطيني ضرورة ملحة

محمد زهدي شاهين | القدس المحتلة 

العقد الاجتماعي هو نظرية تدعو الى قبول الأفراد بشكل صريح أو ضمني؛ للخضوع لسلطة أو لحكومة تنظم أمورهم، وتحمي حقوقهم مقابل تخليهم وتنازلهم عن بعض حرياتهم. 

إن حياة البشر بحريتهم الطبيعية وعلى سجيتهم دون الامتثال لجسم ناظم لهم يحمي حقوقهم ستكون حرية لا حدود لها. فظهرت هذه النظرية إذن لحاجة الناس لجسم ينظم أمورهم، يتم من خلالها الخضوع لسلطة الحاكم بعد الاتفاق على العقد المبرم كالدستور مثلا، وبطبيعة الحال يستمد العقد الاجتماعي شرعيته من مدى الالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه .

في حالتنا الفلسطينية أمسى الوضع بحاجة ماسة الى صياغة عقد اجتماعي بأسرع وقت ممكن، والأدلة والبراهين على حاجتنا لعقد اجتماعي كثيرة ومتعددة. ومن أهم القضايا التي يجب أن يتطرق اليها العقد الاجتماعي الفلسطيني هو الاتفاق على صياغة وتبني مشروع وطني موحد، يتبناه أي فائز بالإنتخابات التشريعية المقبلة بغض النظر عن الإنتماء السياسي، وبطبيعة الحال تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

هذا الأمر لا يعني فقداننا لمشروع وطني بالوقت الحالي، بل المقصود التوصل لمخرج من حالة الانقسام والترهل، مما يعني ترتيب البيت الفلسطيني، وتقوية الجبهة الداخلية من خلال وعبر الاتفاق على قواسم مشتركة يجمع عليها الكل الفلسطيني.

أولى خطوات العقد الاجتماعي الفلسطيني هو نبذ الرهبنة السياسية عند كافة الفصائل دون استثناء، ويأتي ذلك من خلال وعبر صناديق الاقتراع الداخلي للفصائل والاحزاب. أمّا الخطوة الثانية في هذا العقد فهو الاتفاق على مشروع وطني موحد، يخرجنا من الدائرة المفرغة التي نعيش، والذي سينقذنا من حالة التدني لتطلعاتنا التي تنحدر يوما بعد يوم، وتعود بنا الى أوج الحيوية والنشاط والتفاعل الجماهيري، وزرع الأمل وبذور الثقة فيما بيننا من جديد. 

يكون ذلك من خلال وضمن طرح عدة مشاريع وطنية. كل فصيل فلسطيني يقوم بصياغة مشروع معين، تخضع جميعها لاستفتاء يشارك فيه كافة أبناء الشعب الفلسطيني أينما كان مكان تواجدهم في أصقاع هذه المعمورة. المشروع الذي يحوز على ثقة الفلسطينيين يتم تبنيه مباشرة.

قد نختلف بالآراء والتوجهات، لكن يجب أن يكون ذلك ضمن دائرة الوحدة فذلك لا ضير فيه.  وقد يكون المشروع الذي سيجمع عليه الفلسطينيون هو مشروع التحرر الأول من نهرها الى بحرها، فذلك وارد جدا في ظل هذا التغول. 

 الوطنية الفلسطينية ليست حكرا على أحد أو على أي فصيل. إن حركة  فتح حركة وطنية جامعة تعبر عن الحالة الوطنية الفلسطينية بمدى التزامها بالمشروع الوطني، وهي بكل تأكيد بمثابة تربة خصبة للتميز والإبداع، وهي أيضا تمثل المرونة الوطنية لواقعيتها السياسية، ولعدم تبنيها آيديولوجيا فكرية أو عقائدية معينة، فهي تراعي كافة شرائح المجتمع وتطلعاته. لهذا فحركة فتح بمقدورها وباستطاعتها صياغة مشروع وطني فلسطيني ضمن العقد الاجتماعي الجديد الذي يحوز على ثقة غالبية أبناء الشعب الفلسطيني، بما فيها فصائل العمل الوطني دون مبالغة في ذلك الأمر، يتم من خلاله مراعاة الوضع القائم، فلديها الكثير من المفكرين أو خزانات التفكير هذا أوّلا، ومن العوامل الأخرى التي ستؤدي إلى وضع حركة فتح في طليعة تمثيل العمل الوطني بزخم جماهيري أوسع هو فشل تطبيق الحكم الإسلامي من قبل الحركات التي تتبنى توجهات وآيديولوجيا دينية في العالم العربي والإسلامي خاصة في قطاع غزة، إذ تم وضع الإسلام من قبل كل فصيل في قالب فكري خاص، فتم تطبيق فكر الحزب أو الفصيل لا تطبيق الإسلام. ومن العوامل الاخرى أيضا ضعف المد الجماهيري لليسار الفلسطيني الذي قام بنقل الأفكار الغربيةأ وتبناها دون موائمتها مع ثقافة شعبنا الفلسطيني العربية والإسلامية.

ولا بد لي من التطرق هنا إلى مواطن القوة من أجل تمتين جبهتنا الداخلية، فإن القوة لأي كيان تنقسم الى قسمين، القسم الأوّل والأهمّ هي القوّة الناعمة، وهي ثقافة المجتمع وترابطه اجتماعيا، وسياسيا. ولتحقيق هذا الشرط لا بد من العمل على إحياء مصطلح القدوة الحسنة من قبل الجميع، ونسب نجاح أي عمل مؤسساتي للمؤسسة ككل لا لشخص معين، ونبذ الاستقطاب الفصائلي الذي أثر سلبا على هويتنا الوطنية، وتقديم خطاب فكري واعٍ للجماهير، ووأد حالة تراشق الاتهامات والتخوين، وكل ما تمّ ذكره يلعب الإعلام دورا بارزا في عملية نضجه. لن أسترسل هنا كثيرا فأي عمل صغر أو كبر يجب أن يكون تحت المظلة الأخلاقية لدوره المهم في تحقيق القوة الناعمة. 

في حال تم ّالاستفتاء على مشروع وطني ضمن العقد الاجتماعي الجديد، وجب احترام قرار الشعب المحتكم اليه. وفي حال تحقق الشرط الأوّل وتم الوصول الى القوة الناعمة سهل تحقيق الشرط الثاني من أقسام القوة، وهي القوة الرادعة، وهي استثمار القوة العسكرية للفصائل الفلسطينية ضمن سلاح شرعي واحد لحماية المشروع الوطني المتفق عليه.

إن العقد الاجتماعي الفلسطيني إذا ما تمّ الوصول اليه، سيكون بمثابة سفينة النجاة لنا مما نحن فيه، وورقة رابحة جدا في معركتنا الحالية.

5-12-2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى