ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة (46)

محمد زحايكة | القدس – فلسطين

 زياد أبو زياد.. فن الممكن والتوازنات السياسية وعدم المساومة على جوهر القضية الوطنية العادلة

يمتلك المحامي والشخصية الإعلامية والسياسية زياد أبو زياد أبو طارق،  نوعا من الجدية أو الكاريزما الشخصية من حيث النظر إلى الأمور والمهام التي يضطلع بها بجدية منتهية دون عبث أو استخفاف.. كما يمتلك عقلية سياسية خاصة  ومنفتحة  ومتفتحة  وتحليل لما وراء الحدث إضافة إلى فكر سياسي  مستنير وبراغماتي بما يخدم المصلحة العليا في نهاية المطاف ، اي التمسك  بالجوهر والمضمون  والمرونة في الشكل والتعاطي الخارجي..

و للوهلة الأولى أخذ الصاحب انطباعا خاطئا بأن شخصية أبو زياد تتسم بأنها  جافة وتقليدية ومتحفظة  ولكن كلما اقترب الصاحب منها أكثر بدت شخصية جادة ومتزنة ومرحة في حدود معينة وفي  إطار يتسق مع واقع الحال ودون مغالاة أو إفراط وتفريط. ويذكر الصاحب أن  من أهم الدروس التي تعلمها منه عندما كان أبو طارق بمثابة رئيس تحرير لجريدة  الفجر المقدسية، وتمثل ذلك بأن الصاحب قد أعد تقريرا  عن التحضيرات لانتخاب مجلس طلبة جامعة بيرزيت عندما كان الصاحب طالبا في الجامعة ومراسلا للجريدة  حيث قابل الصاحب ممثلي جميع الكتل الوطنية ولكنه أغفل الكتلة الإسلامية وذلك في أوائل ثمانينات القرن العشرين، وفوجئ  الصاحب بأن ابو طارق وضع التقرير على جنب والتفت للصاحب قائلا.. أن التقرير سوف ينشر بعد غد حتى أقوم بأكماله من حيث إجراء مقابلة مع ممثل الكتلة الإسلامية وهو ما حصل، واذكر أن ممثلي الكتلة الإسلامية كانوا يراهنون على عدم نشر موقفهم في جريدة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن كما وعد أبو طارق تم نشر التقرير كاملا في حينه مع مختلف ممثلي الكتل الطلابية وأحدث ضجة في داخل أروقة الجامعة وفي حمأة  الحملة الانتخابية الحامية الوطيس.. وكان الدرس الأول للصاحب هو المهنية والموضوعية التي يجب أن يتحلى بها الصحافي أو الإعلامي بغض النظر عن مواقفه الشخصية..

اما الدرس الثاني فهو قيام زياد أبوزياد ابو طارق بنشر تقرير صحفي مطول في الجريدة أعده الصاحب حول العثور على المواطن الشيخ محمد عبدالله اللبدي، عائلته تقيم في بلدة ابو ديس بعد 40 عاما من التيه والضياع  في سجون الظلام الصهيوني إثر نكبة عام 48 ، حيث عدل ابو طارق على العنوان الرئيسي بصورة جميلة.. وقال للصاحب بما معناه هذه مادة دسمة تستحق النشر بصورة لافتة.. فارتفعت معنويات الصاحب وأدرك أن أبو طارق يشجع الصحفي الناشئ والنشيط بشكل عملي وليس من خلال المدح وكلمات  الإطراء الفارغة المضمون .

وبعد مرحلة الفجر تابع الصاحب مسيرة وتجربة هذه الشخصية المقدسية الحازمة التي كانت تعمل على أكثر من جبهة وحاولت بناء جسور السلام العادل  وفي وقت مبكر مع قوى السلام الإسرائيلية وراهنت عليها  على أمل التأثير على الرأي العام الإسرائيلي للجنوح نحو السلام العادل والمشرف وسلام الشجعان ولكن ربما بعد اغتيال رابين بدأ  ابو طارق  يفقد الأمل في هذا المعسكر شيئا فشيئا ولكنه بقي  أمينا  لطروحاته السياسية والفكرية من حيث الواقعية السياسية  والرهان فقط على ما لدينا وما نحوزه من أوراق بين أيدينا تساعدنا على الصمود وإحراز مزيد من النقاط المتراكمة لتغيير الوضع إلى الأفضل .  وفي زمن الراحل ابو عمار وصل ابو طارق إلى أعلى المناصب وارفعها  كوزير دولة وساهم في المطبخ السياسي الفلسطيني بافكاره النيرة ورؤاه الحكيمة المبنية على حسابات باردة ودقيقة وواقعية ، فالسياسة هي فن الممكن في نهاية المطاف .

ومن المعروف عن ابو طارق احترامه لرجال الفكر الحر من أمثال د. نسيبة وغيره  حيث كان يصغي إليهم ويقرأهم  باهتمام ويشيد احيانا باطروحات نسيبة  وجرأته السياسية لكسر الجمود والتقليد في الفكر السياسي . وفي مرحلة ما طلب مني ابو طارق المساهمة في نشر بعض المواد في جريدة الجسر الصادرة بالعبرية لإطلاع من يهتم من الجمهور الإسرائيلي على ممارسات قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني . كما استضفناه  ذات مرة في أعقاب اتفاق أوسلو في نادي الصحافة الذي كان قيد التأسيس  حيث أحاط به عدد كبير  من الصحفيين الفلسطينيين يستمعون بشغف إلى قراءته للواقع والمشهد السياسي ومستجداته .

زياد أبو زياد من الرعيل الأول في الأرض المحتلة  الذين حملوا بجرأة رؤية منظمة التحرير الفلسطينية وحاولوا إيصالها إلى قلب العدو من خلال حوار ومبادرات جريئة لاذابة الجليد دون المس بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني أو المساومة عليها.  زياد أبو زياد أبو طارق سياسي محنك ملتزم يحترم الكلمة ويقدس العمل الوطني المدروس غير المرتجل   ويعتبره واجبا ولكن بطريقته وتفاعله الحكيم وإذا شعر بأن تصرفه لا يعجب البعض كما حدث مرة بخصوص قضية أسرى تم الاتصال به في وقت بالنسبة له كان متأخرا، فإنه يتراجع  بهدوء وقد ينسحب دون شوشرة، فهو يمارس قناعاته إلى أبعد الحدود ولو انزعج منها  البعض .

زياد أبو زياد يشكل  علامة  فارقة ومميزة  في المشهد السياسي والوطني الفلسطيني. عمل بحكمة وجهد  متواصل لكسب أصدقاء للشعب الفلسطيني وحافظ على مبدأ التوازنات في العلاقات السياسية بعيدا عن التشنجات والعنتريات الفارغة. أبو طارق طاقة فكرية وسياسية مثيرة للاهتمام وقادرة على إيصال رسائل الحق الفلسطيني بكل اقتدار وإقناع .

كل الاحترام والتقدير لهذه العقلية السياسية والفكرية الفلسطينية الفذة التي تواصل نشر أفكارها السياسية بكل جرأة وعقلانية وتحليل موضوعي ومهني راق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى