من إشكاليات الترجمة الدينية.. ترجمة عبارة: أثر الرسول (30)

 

أ.د. عنتر صلحي | أستاذ الترجمة واللغويات – جامعة جنوب الوادي – مصر

 

من الشخصيات المحيرة في القرآن الكريم شخصية السامري، وذلك لفداحة جرمه الذي صرف فيه بني إسرائيل عن عبادة الله عز وجل إلى عبادة العجل:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِي. 

ولغرابة تبريراته، ولطبيعة العقاب الذي حل عليه.  والمفسرون يروون أخبارا غريبة عنه، فبعضهم يقول إنه من قوم موسى علم علوم المصرين من الكهنة وجربها في بني إسرائيل بعد الخروج، والبعض يرى أنه موسى السامري الذي رباه جبريل في جزيرة نائية وبالتالي فهو المسيخ الدجال نفسه في بداية أمره، وهو من المنظرين.  ولسنا نقصد إلى استقصاء كل ما قيل عن السامري في هذا المقام ولكن

يستوقفنا قوله في سورة طه: (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)

فهو يقرر أنه رأى ما لم يره بنو إسرائيل في غياب موسى، وأنه أخرج لهم عجلا عبدوه بعد عبادة الله سبحانه وتعالى، لكن الألفاظ التي استخدمها لها أكثر من معنى، وكل معني يترتب عليه تصور معين للحادثة:

المعنى الأول:

بصرت بما لم يبصروا به: أي رأيت فرس جبريل عليه السلام وكلما وطيء أرضا جدباء حيت،

فقبضت قبضة من أثر الرسول: أي أخذت قبضة تراب من تحت حافر فرس جبريل فنبذتها: فقذفتها على حلي بني إسرائيل التي سرقوها من المصرين فتحولت عجلا من ذهب تدخل الريح فيه فيكون له صوت كصوت الخوار

المعنى الثاني:

يشابه المعنى الأول، ولكن يزيد عليه أنه وقع في روع السامري أن بهذه القبضة من التراب من روح الحياة، فلما قذفها على حلي الذهب تحولت إلى عجل حقيقي له خوار بما نفخت فيه الروح من هذه القبضة.

المعنى الثالث:

 بصرت بما لم يبصروا به: أي رأيت عجلا حقيقيا في القرية التي مروا عليها أولا: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)

 فقبضت قبضة من أثر الرسول: يعني فعمدت إلى بعض التعاليم التي تركها الرسول موسى عليه السلام بيننا فنبذتها: أي فأنكرتها وجحدتها – وهي أهم هذه التعاليم (عبادة الله الواحد الأحد)، وأقنعت بني إسرائيل بأن ما سرقوه من حلي المصريين شؤم عليهم، فجعلتهم يلقونها، وبدلا منها أخرجت لهم العجل ليعبدوه محلىً بالذهب.

وهناك معنى رابع وأخير:

وهو يشبه الثالث لكنه يختلف عنه في أن (بصرت بما لم يبصروا به) تعني عندي بصيرة (مهارة عالية) فيما لم يحذقوا فيه – ويقصد هنا براعته في فن النحت.

والمعنى الأول هو المشتهر والمنتشر في كتب التفاسير، والمعنى الثاني ينبني على المعنى الأول. أما المعنى الثالث فهو يختلف اختلافا كبيرا، ويجعل فيما فعل السامري امرا منكرا لكنه لا إعجاز فيه – إنما مكر وحيلة. و يُستأنس لهذا الرأي (الثالث) بالتركيب النحوي في آية: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ.

فمن معاني حرف الجر (من) البدل؛ يعني أنهم سلموا حليهم وأخذوا بدلا منها عجلا. ومن قال بهذا الرأي، يستشهد له بآيات أخرى: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) يعني بدلا من الآخرة/ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُون)َ  يعني لجعنا ملائكة بدلا منكم فالناس لا يتحولون إلى ملائكة./ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا) أي لن تغني عنهم بدلا من طاعة الله شيئا/ وفي الدعاء: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) أي لا ينفعه حظه من الدنيا بدلا من حظه من طاعتك.

فإذا نظرنا في الترجمات، وجدنا المعاني الثلاثة متواردة حسب فهم كل مترجم واختياره للتصور الذي يرتضيه.

Sahih International: He said, “I saw what they did not see, so I took a handful [of dust] from the track of the messenger and threw it, and thus did my soul entice me.”

Pickthall: He said: I perceived what they perceive not, so I seized a handful from the footsteps of the messenger, and then threw it in. Thus my soul commended to me.

Yusuf Ali: He replied: “I saw what they saw not: so I took a handful (of dust) from the footprint of the Messenger, and threw it (into the calf): thus did my soul suggest to me.”

Shakir: He said: I saw (Jibreel) what they did not see, so I took a handful (of the dust) from the footsteps of the messenger, then I threw it in the casting; thus did my soul commend to me

Muhammad Sarwar: He replied, “I had the skill (of carving) which they did not have. I followed some of the Messengers’s (Moses) tradition, but I then ignored it. Thus, my soul prompted me (to carve a golden calf with an artificial hollow sound).

Abdul Haleem: He replied, ‘I saw something they did not; I took in some of the teachings of the Messenger but tossed them aside: a my soul prompted me

to do what I did.’

Mohsin Khan: (Samiri) said: “I saw what they saw not, so I took a handful (of dust) from the hoof print of the messenger [Jibrael’s (Gabriel) horse] and threw it [into the fire in which were put the ornaments of the Fir’aun’s (Pharaoh) people, or into the calf]. Thus my inner-self suggested to me.”

Arberry: ‘I beheld what they beheld not,’ he said, ‘and I seized a handful of dust from the messenger’s track, and cast it into the thing. So my soul prompted me.’

Ghali: Said he, “I beheld what they did not behold; so I grasped a handful (Literally: I grasped a grasp) (of dust) from the messenger’s track; then flung it off. Thus my self instigated (that) to me.”

       نلاحظ أن بعضهم توقف في تبيان تفسير الآية وترجمها كما هي دون توضيح من هو الرسول وماهية القبضة، وهو ما اختاره بيكتول.  البعض الآخر لم يصرح كذلك، لكنه أشار إلى ان القبضة كانت من تراب  dust   وبالتالي يؤيد التصور الأول والثاني ، وهو ما أختاره غالي و أربري، ويوسف علي والصحيحة الدولية. ومنهم من انحاز بوضوح للتصور الأول فأظهر أن القبضة من تراب فرس جبريل، وهما محسن خان وشاكير. لكن يتبقى عندنا محمد سرور ومحمد  عبد الحليم. فسرور يبين أن (بصرت بما لم يبصروا به) تعني حذقت في فن النحت بما لم يحذقوا فيه، و يستخدم كلمة  tradition (تعاليم) ترجمة ل(أثر الرسول)  ويصرح باسم موسى عليه السلام، ويترجم (نبذتها) ب تجاهلتها  ignored it.    و قريبا من هذا يستخدم محمد عبد الحليم teachings  بمعنى تعاليم وإن لم يصرح باسم النبي موسى عليه السلام، كذلك يستخدم نبذتها بمعنى التجاهل ماديا ومعنويا  tossed them.

وهكذا تتغير الترجمات بتغير التصورات حول المعاني.

والله أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى