من عالم الكورونا

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

‏ 

وزائرتي كأن بها حياء… فليس تزور إلا في الظلام وهذه الزائرة بلا حياء، فهي تزور في الضياء وفي رابعة النهار… ووقت المغرب والعشاء، ولا تغادر إذا الصبح تنفس، بل تتنفس معه، وتحيا… وتحيا… وتتمايل مبتهجة كالحية الصارطة.

أهلا وسهلا بالكورونا…

بذلت لها المطارف والحشايا… فعافتها وباتت في عظامي

الكورونا… وما أدراك ما الكورونا…؟ وباء وابتلاء… يدور بك بين الأرض والسماء… السؤال: عندما تميل الرجال… وتتكسر النصال على النصال… وترى الدموع مطرا… والأحجار بشرا… عندها تشعر بثقل دم الضيف، وقد جاء يحمل السيف… وينادي هل مباطح؟ هل من مقاوح… من عن نفسه منافح؟ تتناوم ولا تنام… وتنتفي منك الأحلام… إلا المرعب منها الساخن بسخونة الروح والجسد…

وأنت مكورن، أنت مطوق: شرقك كورونا… وغربك كورونا… وشمالك وجنوبك… وتحت أرجلك نار مولعة، وفوق رأسك عرق يزخ… وألم يبخ… وجع فوق العادي في الرأس، يسخر منك ومن أكامولك… وألم في المفاصل… كورونا تبيت في العظام… يفر منك كل شيء… كلماتك… حروفك… لا يبقى إلا أنينك… أو بقايا أنين… وبقايا نفس يروح ويجيء بخجل… وأنت خائف أن يستنفذ… كورونا تطوقك… تقتاتك… تشعر بأنك تعيش معها ولها… كوحش كاسر عربد عليك، وأخذك إلى مغارته، وها هو يجهزك لتكون وجبة شهية… وأنت نسيت المقاومة على وسادتك البلهاء، تهرف ولا تعرف… ولا تدري الظهر من العشاء، لقد ضبعت يا رجل…

لا طعم للحياة… فالحياة كورونا… وأنت ترى الأفق حجم خرم الإبرة…

لا نوم… في ليل أو نهار… إلا دقائق لتتسع لحلم كابوسي، تفيق منه مرعوبا مذعورا… النوم مر… ولا أكل… وإن كان فمر علقم… والشهية مرة بل مفقودة، والنفس مر…

أنت مع الكورونا: محجور… مذعور… مسجور… مقبور… مدحور… مقهور…

تعيش الوحدة، وحدة في الكلام والتعبير، وحدة في الرؤى والتفكير، فأنت تكلم نفسك بنفسك بعبارات متهالكة، وأنت تفكر بنفسك ولنفسك: هل يتساقط مخزون الأوكسجين، وتصبح كطنجرة الطبيخ تحتاج جرة أكسجين… صباح مساء… المشفى امتلأ كورونا، لا أسرة فيه لزوار جدد، والفضا امتلأ كورونا، لا مكان لك غير فرشتك التي تشع كورونا… ترتمي عليها بجسد متهالك، منقور هنا لإبرة، وهنا لتحليل دم، وصورتك وأنت تعانق ذاك الجهاز لأخذ صورة سلفي لك صدرية… تلك صورة لا تفارقك…

وتسمع في الأفق القريب، تسمع أناسا لا يؤمنون بوجود الكورونا… ويضحكون على من استعمرت وجوههم الكمامة… هذا فقر في التفكير… ولا مجال لنقاش هذه الآراء، وكيف يناقش مصاب ارتفعت حرارته واحمر وجهه وهو يعتصر ألما… والألم يهاجم تضاريس جسده كلها؟

سلمكم الله، وعافاكم، والشفاء للمصابين يا رب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى