الوعي الزائف False consciousness

الدكتور خضر محجز | فلسطين

مصطلح ماركسي، يشير إلى شكل من أشكال المصلحة الذاتية، لدى فرد معين أو فئة معينة. ويتمثل في رفضه، أو تجاهله ـ عن وعي أو بلا وعي ـ لمطالب فئة أخرى أو أشخاص آخرين في المساواة.
ويرى الماركسيون أن الرؤية البرجوازية للعالم، تعاني من وعي زائف، بسبب ادعائها بأن رؤيتها للعالم هي رؤية جميع البشر.
فالبرجوازية، التي نجحت في خلق نظام سياسي يضمن الحد الأقصى من نمو الإنتاج الرأسمالي؛ لم تفلح في زيادة الفعالية في عملية التصدي للصراع الطبقي، والوصول إلى عالم الكفاية والعدل.

فاكتشاف البرجوازية للطبيعة الاستغلالية للمجتمع الرأسمالي الذي خلقته، بعد نجاح سعيها السابق في القضاء على سلطة الإقطاع، جعلها يائسة من إصلاحه على المدى البعيد. فاختارت الاستقرار والرضا بما حدث، خصوصاً بعد اكتشافها بأنه يخدم مصالحها. ثم اصطنعت للحفاظ على هذا الواقع الجديد مقولات تدعمه نظرياً، مثبتة بذلك وجود تناقض قوي في الأعماق بين دعوات الحرية والمساواة، التي دعت إليها في السابق، والواقع الاستغلالي الحالي الذي يقوم عليه بقاؤها.

وبهذا يمكن القول، من منطلق ماركسي: إن الدعوات السابقة التي أطلقتها الطبقة البرجوازية ـ في مرحلة الثورة على سلطة الإقطاع والكنيسة ـ بضرورة الحرية والمساواة والعدالة، هي دعوات ناتجة عن وعي زائف، بدليل ما أنتجته في الواقع بعد ذلك.

كما يمكن القول مرة أخرى ـ ومن نفس المنطلقات ـ بأن دعوى البرجوازية المنتصرة الآن هي كذلك ناتجة عن وعي زائف، لأن ما تحاول أن تقوله هو أن ما حدث هو ما كانت تسعى إليه كل الطلائع الثورية، وهي بذلك تتجاهل أن ما تحقق خدم مصالحها فقط، دون مصالح باقي الطبقات التي شاركت في الثورة معها.

وبذا، فالبرجوازية في مرحلة الثورة تمتعت بوعي زائف، دون وعي منها. ثم ها هي الآن تتمتع بوعي زائف، مرة أخرى، لكن هذه المرة بوعي تام ومعرفة مسبقة.

الإسلاميون كذلك اليوم يتمتعون بوعي زائف، لأنهم عندما يدعون إلى قيام الدولة الإسلامية، فإنهم يؤكدون لنا أنها مجتمع الكفاية والعدل. ثم يتناسون أنهم عندما حققوا هذا المجتمع الإسلامي، في السابق، فإنه لم يتمتع بهذا الوصف الذي أطلقوه عليه ـ باستثناء عصر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والخلفاء الراشدين.

وقارئ التاريخ يعرف أن الدولة الإسلامية، التي تلت ذلك العهد القصير، كانت تمثل مجتمع السلطة ومن دار في فلكها. بينما غابت العدالة والمساواة تماماً، وبصورة فاحشة، عن حياة باقي الأفراد. ومع ذلك فقد دعمها العلماء الذين يستلهم الإسلاميون الآن أقوالهم.

وإذا كان الإسلاميون الآن يعرفون أن هذه الدولة، التي سينشئونها، سوف تكون كذلك، فهم يتمتعون بوعي زائف عن وعي تام، أما إذا لم يكونوا يعرفون هذه النتيجة، فإنهم يتمتعون بوعي زائف ناتج عن نقص في المعرفة النظرية.

وعلى العموم، فإن الإسلاميين لم يحددوا موقفاً واضحاً من هذه القضية، مكتفين بالدعاية لتصورات عامة، يمكن القول بأنها تشبه مقولات البرجوازيين إبان الثورة على الإقطاع. الأمر الذي يحدد طبيعة الوعي الزائف عندهم، بأنه من النوع المركب: فهو حالم يتمتع بنقص المعرفة من جهة، وهو من الجهة الأخرى ذرائعي براغماتي، يسعى نحو سلطة جماعة أو فئة، قررت مسبقاً إعادة إنتاج نموذج لم تعد هي متفقة على صورته النهائية؛ وربما تقرر هي صورته عندما تصل إلى السلطة، بما يخدم مصالحها فقط.

وأخيراً، هل نحتاج إلى تدقيق النظر في مجتمع الوفرة الذي يعيشه منظرو هؤلاء الإسلاميين ومتنفذوهم، لنرى الوعي الزائف حاضراً متجلياً دون خفاء؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى