بين مقام النبي موسى وشجرة سخنين

سهيل كيوان | فلسطين

 

من العار انتهاك حرمة مكان يرى الناس فيه قدسية، حتى ولو كان البعض لا يؤمن بهذا، يكفي أن فيه مزارًا، وإلا فلماذا نهاجم سياسة إسرائيل في تحويلها المساجد والمقامات إلى معارض للفنانين وخمّارات وأماكن لهو، أو إلى أماكن مهملة، أو حتى هدمها، أو تزويرها وتحويلها إلى مواقع يهودية مُقدَّسَة!

كي أبدو في نظر الآخر منفحتًا، لا يعني أن أستهتر بمشاعر أكثرية أبناء شعبي وبمعتقداتهم.

أن أكون تقدميًّا وأمميًّا، لا يعني أبدًا أن ألغي نفسي وتراثي، العكس هو الصحيح، خصوصًا في وطن ينتهك المستوطنون والاحتلال كل بقعة فيه من بشرٍ وشجر وحجرٍ.

تحت وحشية الاحتلال، يصبح للمكان وهويته أهمية أكبر، ومن العيب القفز فوق قيم أهلنا وأجدادنا وكأننا نعلن تحرَّرْنا من كل تاريخنا ومعتقداتنا.

صحيح أن مقام النبي موسى ليس في قدسية المسجد الأقصى، ولكن حتى لو كان ضريحًا لإنسان عادي وليس مزارًا، فيجب أن تكون له حرمة.

لا أعني بهذا تشجيع النظرة الرجعية والغيبية في تقديس المزارات والأضرحة، فهذا مرفوض حتى دينيًّا، ولكن من الواجب احترام مشاعر الناس الذين يرون فيها قيمة روحانية قيِّمة وكبيرة، واحترام القبور وساكنيها، والأهم هو الابتعاد عن هكذا مواجهات وانقسامات مجَّانية.

في مكان مثل مقام النبي موسى، يليق إقامة أمسية لفرقة رقص “دراويش” ذات طابع ديني مثلا، أما فرقة “تكنو موسيقى” فهذا ليس مكانها، وهذا ليس تشجيعًا للسيَّاحة، بل هو تشويه لهذه الأمكنة، وتخريب للسِّياحة، وتخريب للتاريخ والأخلاق.

من جهة أخرى، ليس من حق أحدٍ أن يتدخل في خيارات الناس وفنونها وطرق تقديمهم لها، ومن حق الناس أن يشاهدوا أو أن يغضوا الطرف عن هكذا احتفالات، أن يشتركوا أو يمتنعوا، ولكن في الوقت ذاته، يبقى للمجتمع حقه في احترام ما يعتبره مقدّساته وحمايتها.

ولهذا يجب إطلاق سراح منظِّمة الحفل، أما الذي يجب أن يحاسب فهو من منحها ترخيصًا لهذا الحفل في هذا المكان. أما المدعوة سما عبد الهادي، وما دامت قد طلبت موافقة من الوزارة فلا ذنب عليها. أما تصرفاتها الشخصية وطريقة تقديمها لفنها فهذا شأنها، ولك أن تتقبَّله أو أن ترفضه.

 

شجرة سخنين المباركة

بغض النّظر من الذي أحرق شجرة الميلاد في سخنين، فهو عمل استنكره الجميع، ليس مجاملة لأحدٍ، ولكنه شعور حقيقي وعميق لدى كل أبناء شعبنا سوى بعض الشاذين، وبغض النظر عن الذي قام بهذا العمل؛ أكان مسلمًا متعصِّبًا، أو مسيحيًا مُحتَجًا على تاريخ الميلاد الغربي، أو يهوديًّا متطرِّفًا مثل ذلك الذي أحرق كنيسة الخبز والسَّمك في الطابغة في عام 2015، أو مجرَّد “أزعر” من دون أي منطلق فكري أو عقائدي، وأرادها تسلية في إشعال الأجواء، فالأمر سيَّان، قصد أم لم يقصد، فهذا يزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، ويُجهِّز الأرضية إلى صراع وأحقاد كارثية على كل المجتمع الفلسطيني، ليكتمل مشروع الجريمة المنتشرة في مجتمعنا العربي، وكما رأينا على شارع رقم 6، فإن الشرطة تصبح متفرِّجًا عند وقوع الجريمة.

هناك من يريد لمجتمعنا فوضى شاملة وحلَّة حكمٍ لا يعلم بنتائجها إلا الله، وحينئذ من الطبيعي في ظل الفوضى أن يبحث الناس، كلُّ واحد عن خلاص فردي، فيتجهون للانخراط في خدمة أجهزة الأمن لحماية أنفسهم، أو للحصول على سلاح مُهرَّب، أو التفكير في الهجرة من الوطن، أو تشكيل عصابات مضادة للدفاع عن النفس، بينما تصول السلطة وتجول في قرانا ومدننا، وتنفِّذ مشاريعها، والتي تتبلور عاما بعد عام في جعلنا أقلية طائفية وعشائرية مشتتة، منزوعة الحقوق والاحترام.

لهذا يجب العمل بكل الوسائل الممكنة، لمعرفة من قام بعمل كهذا، ليس لإعدامه كما يريد البعض، ولكن ليكون عبرة لغيره، ولتوضيح الصورة، وعدم السَّماح للعابثين بأن يعبثوا، فأمثال هؤلاء يطعنون مجتمعنا في ظهره بخناجر سامَّة.

من جهة ثانية، فإن ردّةَ فعل أحد الشبان من سخنين بشتم الرسول عبر تسجيل وزَّعه على مواقع التواصل، هو عمل رذيل ومُتهوِّر، ويمكن أن يشعلَ فتنة، وجيَّدٌ أنه تراجع وأعرب عن أسفه وندمه.

من خلال متابعتي، وجدتُ أن كثيرًا من حسابات أصحاب الردّود التي تحرّض على العنف هي حسابات وهمية، ردود سافلة مبتذلة، تدَّعي الغيرة على الرسول، بتعابير مخجلة تؤكد أن لا علاقة لهؤلاء بالرسول، لا من بعيد ولا من قريب.

لهذا علينا باليقظة، والحرص على وحدتنا، بالتسامح، والترفع بكبرياء عن أولئك السُّفهاء، كما فعل أهالي سخنين في وعيهم وشجرة وحدتهم المباركة، وعدم الانجرار إلى حيث يريد أصحاب النوايا الخبيثة، لا ذاك الذي يسفِّه مقدساتنا ويحوِّلُها إلى ملاهٍ، ولا ذاك الذي أحرق شجرة الميلاد، ولا ذاك الذي شتم الرسول، أو من يقف وراءهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى