الجهل وإعادة إنتاج الطغمة الفاسدة
المحامي شوقي العيسة | فلسطين
الجهل بأنواعه جماعي أكثر مما هو فردي؛ الجهل الفردي أضراره أقل كثيرا ويمكن التغلب عليها، ولا تؤثر على المجتمع وتبقيه متخلفا ويسير نحو الانحطاط والتبعية. ولكن انتشار الجهل الجماعي هو المدمر للمجتمع؛ وهو دائما بفعل فاعل حيث تخطط القوى المهيمنة لتجهيل مجتمع حتى تواصل السيطرة على خيرات البلد .
وأول خطوة في تجهيل أمة هي منع العلم ونشر الأساطير والخرافات، ويتم ذلك بقمع الحريات وخاصة التفكير الحر. وحتى ينجحوا في ذلك تكون مهمتهم الأولى السيطرة على التعليم للتحكم بثقافة ومعرفة الأجيال وتوجيه عقلهم نحو ما يمنع التطور والتقدم. وبذلك يضمنوا عدم التمرد على الفساد والهيمنة والتبعية ويضمنوا نشر الأفكار والعادات المضرة والمدمرة. وأكثر ما يضمنوه الابتعاد عن العلم وحرية التفكير .
لذلك مهما فسدت الطغمة الحاكمة ومهما نهب الاستعمار من خيرات البلد لا تجد قوى شعبية تعرف كيف تتصدى لهم بنجاح؛ بل ستجد المجموع والذي يعرف ويلمس الفساد في حياته اليومية ينحو نحو المشاركة والاستفادة وليس الثورة والتمرد، وبحكم جهله المبرمج لا يفهم أن قوى المجتمع أقوى من قوة أي سلطة حاكمة .
والاقتناع الجماعي بأن التغيير غير ممكن وأن عليهم الاستفادة من الموجود يجعلهم حتى لو جرت انتخابات يعيدون انتخاب نفس النوعية من القادة .
لكل ذلك فإن التغيير في مجتمع جاهل يحتاج لأجيال ولسنوات طويلة. وأول ذلك زرع قناعة التفكير الحر في عقول الجيل الجديد.
وليس صدفة أن كل القوى الاستعمارية ركزت أكثر ما ركزت في تعاملها مع السلطة الفلسطينية على التحكم في المناهج التعليمية وخاصة في المدارس. وعلى إبقاء المعلمين في حالة يرثى لها ودفع التمويل باتجاه الفئات غير المنتجة والفاسدة وباتجاه المشاريع التي تبقي ثقافة المجتمع كما يريدها المتحكمون.