تهويمات في الساعة الهامدة من الليل.. في عتمة الأشياء
فايز حميدي | شاعر فلسطيني – السويد
-١-
أتذكرون ؟؟!
أتذكرون حين اشتعلت النيران
في سهوب الروح
وبكى نهر الفرات
وهاجرت السنونو والأشجار
والأعشاب وندى الصباح
يوم أفلت الشمس واستبيح القانون وأصبح الجنون فرسا للنهار ..
تقدم المنفى امرأة من مرمر !!
فتصرخ وأنت في الخراب والرحيل
خطف المجهول قلبي !!
وداعا أيها الوطن الغريب !!
يا دمشق ..
يا امرأة الضوضاء والذهول !!
أسمك يسير صامتا بين الصدى والأنين ..
والهواء راكعا متوسدا قهر السنين
والنهار يسير خلفي يغسل الجفون
وأنا ..أحمل نعشي وأمشي !!
خالقا من خطواتي عدوا لي ..
في زمن الرياح الأسيرة واللحظة الشرهة !!
صلب زهر الياسمين ..
وتجمدت أشلائه وتقلصت ..
ومشى الأمام وراءه
وفر الصباح من آفاقه
ولم يبق في رئتيه غير أنفاس حزينة
تلطمه الحيرة أنى مشى
سادرا على أجفانه
والريح بعض غطاءه
حيران لا يغفو ولا يستفيق ..
-٢-
يا وطن التيه يا وطني !!
من ضيق جباه أيامنا ؟؟
من كفن الحلاج بصوته في الأقبية على كرسي المقتلة ؟؟
سلاسل
ومسامير
وقضبان
من ثقب وجه الحروف بتيار الفجيعة ؟؟
قتلا
وخنقا
وحرقا
من حول بلاد العشق
لمساحة أضيق من خرم أبرة ؟؟
من اخترع الأذن الثالثة
لنصغي بها
لصباح لا يرى وألوهة تتوثن ؟؟
وتشيخ يا وطني على امتداد الفجر
أجنحة النوارس والقصائد !!
انحطاط
وهزال
وهرم
وارتكاس
وجهي يصارع اليأس وأهدابي غبار
هو الزمن الضرير !!
يا وطن الياسمين !!
-٣-
مبعثر انا
لا شيء يجمعني !!
يا زمن التمدد في نقطة البلاهة
والصلات المشتتة !!
يا لغة الأنقاض
التاريخ يهبط المنحدر !!
يا زمن الوجع واختلاج الجرح
وطنا يرشح دما وخراب !!
يا زمن الرعب الذي استوطن تلافيف الدماغ
ونبت كالأظافر الزرقاء …
يا سلالة الكلمات أسعفيني
بردى بيننا والفرات
أسعفيني كي يصير الصباح
ويا جذوري أضيئي وجهي
الرمل في عيني
وفي عيني وهم الإضاءة
المقابر تجدد أثوابها
شجرة تعانق الجمر !!
شجرة تفتح أبواب السماء !!
بطريقي الذي يرفض ان يبدأ !!
أعانق في القمم البعيدة
شقائق النعمان
وأرواح من صعدوا إلى السماء
من غابوا وغيبوا وانفجروا قهرا
فتنهض أرضي وتومئ وتنحني
ويمتلئ وجه الأفق بشامات الروح
وتسافر الأحلام تحت راية البراعم
ويأتي صدى الصوت والجرح البعيد
لا شيء يعود ..الأشياء تستعاد !!!