ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والجبابرة  (4)

محمد زحايكة | القدس العربية المحتلة

محمد خليل عليان.. الإنسان العاقل في زمن القلاقل..

تفتحت عينا الصاحب وقريحته وذائقته الأدبية بمطالعة مجموعة القصص القصيرة بعنوان “ساعات ما قبل الفجر”  للأسير المحرر محمد خليل عليان عويسات ” أبو  خليل ” التي تعتبر  ربما من أوائل النتاجات الأدبية مطلع ثمانينيات القرن الماضي.. التي تأتينا فيما سيعرف لاحقا بأدب السجون.. وطالما داعبت هذه القصص الطازجة المعجونة بآلام وآمال وأشواق الأسرى الإنسانية الذين هم في نهاية المطاف والتعريف الأخير بشر من لحم ودم ويمرون بمشاعر إنسانية جارفة ومترعة بالأحلام والتطلعات البشرية  البسيطة..   طالما داعبت مخيلاتنا وسرحت بها خيالاتنا إلى الآفاق البعيدة.. ولا شك أن هذه القصص شدتنا حتى النفس الأخير بما فيها من لواعج واستيهامات تدغدغ مشاعر وعواطف الإنسان أولا وأخيرا على ما يذكر الصاحب ..

وإن كان الكاتب عليان من أكثر الرافضين إلى “عملقة ”  الأسير أو الفدائي بجعلهما سوبرمان الذي لا يهزم.. فهو يرى في هذه الصورة النمطية نوعا من أنواع التسطيح الضار.. فالأسير والفدائي.. إنسان كامل.. يحب ويكره وله متطلبات جسد ونزوات وغرائز ولا يمكن نزع الصفة الإنسانية والبشرية عنه  بحجة تكريمه ورفعه إلى مصاف الجن والملائكة مع التقدير الشديد لكل الذين ضحوا ويضحون من أجل حرية وكرامة شعبهم.. ولكن على رأي صرخة شاعرنا الأكبر محمود درويش ” ارحمونا من هذا الحب  “..

وما أن تحرر من الأسر حتى انخرط عليان في خدمة مجتمعه وخصوصا على الجبهتين الثقافية والقانونية ومارس العمل والعطاء فيهما بهدوء وحذر المتطلع إلى بناء جدار عال من الوعي الوطني السميك الذي يصعب اختراقه وكان له  مساهمات مهمة في المشهد الثقافي وبشكل او بآخر عندما تستدعي الحاجة لذلك كما حصل واستضفناه في صالون القدس الثقافي أكثر من مرة.

ثم كانت ذروة التضحية الإيثارية باستشهاد البهاء الشاب المثقف ابن المثقف.. ليحمل الاب المكلوم على كاهله راية الكفاح لاسترداد جثامين الشهداء الأبرار بصبر ومثابرة وأناة وبصورة تحفظ كرامتهم ورمزية ومعنى فكرة استشهادهم العالية والسامية.. فهم يرتقون إلى الأعالي.. ليحيا شعبهم حرا كريما مستقلا ..

ويجتاز الأب الحنون هذه الصدمة الكبيرة بفقدان فلذة كبده الحبيب وهو يغالب مشاعر الغياب والرحيل مثل جميع الآباء والأمهات المكلومين المفجوعين.. ولكنه يواصل حمل راية الصبر والصمود بثبات وصلابة الجبال.. مثل جبله العالي المكبر الشامخ الصامد..  ويسطر احلى واسمى المعاني في طريقة إدارة الصراع مع العدو باقتدار وعنفوان رغم تباعد وتنافر أساليب إدارة المعركة بين جهة وأخرى واختلال موازين القوى إلى حد  كبير… ولكنه يغدو  رمزا وعنوانا لا يستثنى لهذا  الملف الإنساني بامتياز .. وتثبت الأيام  معدن هذا  الإنسان النبيل ودفاعه بكل قوة عن المصلحة العليا لعموم الشعب وعدم التفرد في اتخاذ القرارات فيما يخص القضية التي يتولى زمام أمورها .

محمد خليل عليان.. نمط خاص من الرجال الثابتين على المبدأ.. الثابتين على العهد.. لا يضرهم من خالفهم.. إنسان صاحب نفس طويل.. كتوم.. غير متبجح.. متأني جدا في الحكم على الآخرين.. غير متسرع في الانفعال السلبي.. لا يطيش على شبر ماء.. متفهم لسقطات الآخرين.. متسامح إلى أبعد الحدود.. باختصار إنه إنسان  كبير بكل المعاني .

تحية كبيرة بحجم القدس لهذا الإنسان الحكيم الرشيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى