حكايا من القرايا.. “سرّاق الزغاليل”
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
اشتكى الحج أبو عوض من سرقة زغاليله، ينتظر الحمام حتى يفقس، وينتظر الفراخ حتى تكبر، ليتمتع بأكل الزغاليل بالفريكة… ولكن من سنة وجاي، كلما كبرت الزغاليل، وطال انتظاره لها، يذهب إلى طاقتها المعلقة على الواجهة الطينيّة… فلا يجدها… يقول في نفسه: معقول طيّرت؟ ويناقش أم عوض في فقدان الزغاليل، فتحتار وتزداد حيرته… يفكر في سالول حقير يسلب زغاليله ليلاً ويفصفص عظمها… ولكن أنّى للسالول أن يصل الطاقة المرتفعة… وهل أضحى للسالول أجنحة يطير بها ويصطاد زغاليل دار الحج عوض…؟ معقول أن يكون السارق خفّاشاً ليلياً، اعتاد على احتفاليّة ليليّة يخطف فيها الزغاليل بين فترة وأخرى؟ لكن هذا الاحتمال غير وارد، لأن الخفّاش لو سرق لترك أثراً من ريش… حيّة تسعى، تسرط الزغاليل؟ ربما… لكن هل ستزلط الزغاليل دون ترك أثر؟
واشتكت الديراوية أم حسن، فقدان بيض دجاجاتها، واتهمت دجاجاتها بأنهن (يودّرن) البيض، حيث يبضن في أماكن بعيدة… فأصدرت فرمانها ل(أبو حسن) وحسن ومحسن، وخالد، بالانطلاق والتفتيش في الحقول المجاورة عن بيض… قضى الزوج والأبناء ساعات خارج البيت، يفتشون بين الأعشاب في الحقول، ولكن دون جدوى… ودون أن يلمسوا أي أثر… لسالول أو قط أو كلب يشرب البيض، ويترك القشور…
صار سرّاق الزغاليل، والساطي على البيض خرّيفيّة في البلدة، تجد الأهالي يتحدثون بها في الحارة، والزقاق، وفي المظافة… يبدؤون بالسؤال: شو آخر أخبار زغاليل البلدة، وبيضها؟ وهنا يتسابقون في الحديث، والإدلاء بالأخبار، فبينما يقول أبو صدقي: أن خسارة دار أبو حسن مئة بيضة ويزيد، يزايد عليه أبو إبراهيم، بل قل سرقوا منهم مئتين… ثلاثة… وسمعت أنهم سرقوا فراخ دجاج أيضاً… وتدعو أم راشد: ” الله يشُرّ وجدو وينتقم منّو… اللي حَمْ بالنا… عزا بوهدو مش مخللي إشي مش عادي عليه”… ينفخ أبو سعد دخان غليونه، ويصرح: يا جماعة إحنا مستهدفين… لازم ندير بالنا على حالنا ومثل ما قال المثل” اللي بسرق بيضة بسرق جمل” مفروض الشباب يحرسوا البلد… إمبارح أبصر أنو مفلّت جحش أبو باسم، وصار يبرطع بالحارة، وأكل خيارات الحجة سعدى… الله ينتقم منّو هالجحش… الحجة بتستنى فيهن كل ساعة عشان تبيعهن وتترزّق…
في ليلة من ليالي الصيف القائظ، شهر آب اللهّاب… أرق الحج عوض، ولم تغمض عيناه، وهو نايم على الفرشة، وعقله يوخذ ويجيب، والحجة أم عوض (بتشخور)، وكأنها مؤجلة هموم الدنيا للنهار… أبو عوض زهق، وصارت الدنيا نصّ ليل، حمل فرشته، وانطلق بها إلى قاع الدار… تحت ضوء القمر… سمع خروشة، تنبّه، وأصغى، وكأن أحدهم يتلاعب (بدرّابيّة) الباب، قطعة من الخشب وسط الباب، تصل خرقاً في حلقه، فيقفل الباب بها… أيقن أن أحدهم يحاول اللعب بالدريبية وفتح الباب… تظاهر بالشخورة والنوم العميق… دخل أخو شمّة على روس أصابعه حافياً يتلفت يمنة ويسرة… يستطلع المكان، كان بفانيللة وسروال أبيض، وطاقية مخرّمة، واتجه إلى منطقة الإنتاج، إلى طواقي الحمام، وضع (سيبة) سلّماً بثلاث درجات وصعد عليه، وما أن كان على الدرجة الثالثة، حتى هجم عليه الحج أبو عوض كالأسد الكاسر… ومسكه مسك اليد…وصاح يا عيب الشوم… يا عيب الشوم عليك… مش مستحي على طولك… شرفك… شو رايك ألمّ أهل البلد عليك… قرايبك… وبهت (ما يسمى أبو جواد) وقع امصقّع، لا من ثمّه ولا من كمّه… حرك لسانه بعبارات مبتورة… فيها الرجاء… استر… الجوع… الحاجة… الله يستر عليك دنيا وآخرة، وهطلت دموعه…
طيب، قال الحج عوض… أتعاهدني أن لا تعود للسرقة…؟ خلاص عن يدّك… أجاب… وراحت الخريفية سرّ في بير… ظليت أنبّش حتى نزلت في البير وعندما شاركت في (سمله) إزالة الطين من قاعه… عثرت على الحكاية من طقطق للسلام عليكم…