حكاية إياد حريبات والجريمة المزدوجة
بقلم: الأسير أسامة الأشقر | سجن ريمون الإسرائيلي
الأسير إياد محمود حريبات من خربة سكة القريبة من مدينة دورا في الجنوب الفلسطيني شاب طيب مجتهد أتم دراسته الثانوية والتحق بجامعة النجاح الوطنية ليدرس الهندسة الزراعية في كلية الزراعة في طولكرم، ولم يمضِ على إلتحاقه بالجامعة سوى أشهر حتى اندلعت شرارة انتفاضة الأقصى التي شارك كطالب بفاعلياتها الشعبية وبعد استشهاد زميله ورفيق دربه الشهيد جميل أبو عطوان قرر العمل ضمن صفوف كتائب شهداء الأقصى وشارك بالعديد من العمليات البطولية، حيث صمم على استهداف جنود الاحتلال المتواجدين على الأرض الفلسطينية المحتلة.
التقيته في أول أيام الإعتقال منذ ما يقارب التسعة عشر عاما، كان شابا مثابرا ومثقفا مناضلا حقيقيا يعمل في كل المواقع بتفاني منقطع النظير كل من عرفه داخل المعتقلات وخارجها أقر برقي خلقه وطيبته وعطائه اللامحدود، أكمل تعليمه الجامعي وتفوق بإعطاء الدورات الثقافية والوطنية لإخوانه الأسرى، افترقنا منذ العام 2004 وواصلنا العمل كل بطريقته ودائما كانت أخباره تسر الأصدقاء والمحبين وبعد سنوات أُحضر لنا إياد وهو بحالة تدمي القلب وتبكي البعيد قبل القريب فهو لا يدرك ما يقول أو يفعل، فاجأنا إياد حد البكاء وكنا نتساءل فيما بيننا ما الذي جرى له وكيف سننقذه من هذه الحالة المأساوية وماذا بأيدينا فعله فهو مصاب بمرض عصبي نادر. وبعد شهر كامل من معاناة إياد وقلوبنا تعتصر ألما وعيوننا تبكيه في كل لحظة وإدارة السجن لا تبالي تم نقله لما يسمى بعيادة السجن وتمت إعادته دون تقديم أي علاج فحالته النفسية والصحية تزداد سوء وبعد الكثير من المطالبات والضغوط تم نقله للعلاج خارج السجن، وبعدما مرت أيام طويلة ونحن نطالب إدارة السجن بموافاتنا بأي خبر عن إياد تمت إعادته إلى السجن فاكتشفنا فيما بعد بأنهم لم يقدموا له العلاجات المناسبة وكل ما فعلوه أنهم عزلوه في إحدى زنازين بئر السبع داخل زنزانة محصنة ولم يتم تقديم له سوى بعض الحبوب المهدئة والمنومة ليستريحوا منه ومن أصواته، تفاقمت حالة إياد الصحية والنفسية فأصبح لا يعرف أحد ولا يتعاطى مع أحد حيث تناوب الأخوة على مساعدته ومرافقته والمطالبة الدائمة لعلاجه ولكن دون فائدة، وكل يوم كان يمر كانت حالة إياد تزداد سوءا، هذا الشاب اليافع أصبحت الأمراض تنهشه من كل جانب ولم يعد قادرا على الاستمرار أكثر.
أول أمس شعر إياد بآلام حادة أسفل بطنه، كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل كان واضحا أن ألمه كان مختلف هذه المرة مما دفع الإخوان لطلب السجانين على عجل وبعد ساعة كاملة حضر ما يطلق عليه اسم ممرض الذي أصر بوقاحة على أن ينتظر إياد ويحتمل الألم حتى الصباح، وعندما تعرض هذا العنصري المتطرف للضغط من قبل الأسرى طلب أن يضع الأسرى لإياد الماء البارد فقط، هذا الموقف الذي استفز مشاعرنا جميعا ونحن نرى إياد ينزف دما وبعد ساعات طويلة تم نقل إياد للعيادة التي لم تستطع التعامل مع حالته الخطيرة وعندها فقط تم نقله للمشفى وهو الآن يمكث هناك دونما تقديم أي معلومة عن وضعه الصحي الخطير.
هذه الجريمة المزدوجة هي جزء لا يذكر عن المعاناة المستمرة لمئات الأسرى الفلسطينيين الذين ينزفون أعمارهم وأجسادهم مع كل يوم داخل هذه الباستيلات القاتلة.