تجلياتُ القدس في الشعر، كتابُ عشقٍ أدبي!
توفيق أبو شومر | فلسطين
شكرا لرفيق طفولتي وصديقي الدكتور، محمد إبراهيم حور، الحاصل على عدة جوائز، أبرزها جائزة عبد العزيز البابطين في نقد الشعر عام 2006م، لأنه أعاد لي ترسيخ مفهومي في في النقد الأدبي وهو؛ “إيماني بأن الناقد الأدبي سِلكٌ كهربي، يصل بين الكاتب وبين القارئ، فهو بطاريةٌ مشحونة دائما، قادرة على الربط بين القطبين!
اعتاد الناقدون في مجال الأدب أن يُعِملوا فؤوسهم في تربة النص ليصفوا نوع التربة الأدبية، ومقدار ثرائها بالسماد، وهل السمادُ طبيعيٌ أم صناعي، وهناك ناقدون آخرون اختصوا في تربة النقد الأدبي في مجال البحث عن أمراض التربة فقط، وهم لا يملكون معامل علمية محكمة، بحثوا آثارها الضارة على حقول النصوص، هؤلاء هم في الغالب باحثون عن الشهرة، وليسوا ناقدين!
كتاب الدكتور محمد إبراهيم حور هو (تجليات القدس في الشعر المعاصر) صدر الكتاب قبل شهر من هذا العام 2022م! وضع الكاتبُ في بداية كتابه خاتَمه الخاصَّ في كل صفحات الكتاب بوصفه صاحب الحق الرئيس في عاصمته الأزلية القدس.
أصَّلَ الكاتبُ مفاهيم الحب، اقتبس من الأشعار ما يؤيد نظريته؛ في أن القدس ظلتْ طوال السنين مخزونا استراتيجيا أدبيا للحب والحنين، وهي في الوقت نفسه مدينةٌ شائكة لا تشبه أي مدينة أخرى في العالم، وأن حبها مُكلِفٌ غالٍ، ولكنه حبٌّ أبدي، حاول أن يجد مخرجا للشعراء الذين لم يطرقوا بابها بقوة؛ أشار إلى أن السبب يرجع إلى أنها كانت مدينةُ الوئام والسلام، والشعر نقيضُ السلام والوئام، فالشعر عنده (صنو الحرب، بابه الشر)!
نظَّم مؤلفُ الكتاب في كتابة الثري مظاهرةً كبيرة حاشدة في ساحات القدس، أشرك فيها عددا كبيرا من شعراء العرب، وذلك بما اقتبسه من أشعار، ألقى خطباءُ المسيرة أشعارا محذرين من وعد بلفور ومن تحويل ساحاتها التراثية السمحة إلى ساحات قتال وصراع، ذكَّر مُنظمُ المسيرة ومؤلف الكتاب المشاركينَ بما خطَّهُ الشعراءُ والأدباءُ عن القدس، سيدة المكان وعاصمة السماء، كما أسماها المبدع سميح القاسم، وهي أيضا عاصمةُ الجذور كما أسماها، الشاعر عز الدين المناصرة!
لم يترك الدكتور حوَّر ساحة عروس المدن، إلا بعد أن أشعل في ساحاتها سَورة الغضب في وجه ما تتعرض له القدس من احتلال وقمع، استشهد بعدد كبير من الأشعار، ولكنه توقف عند ثلاثية الشاعر المبدع إبراهيم طوقان، حين خلَّد فيها إعدام المحتلين البريطانيين ثلاثة مناضلين فلسطينيين، فؤاد حجازي، عطا الزير، محمد جمجوم، يوم 17-6-1930 اقتبس من أبيات الشاعر شعارا خالدا وهو: “أجسادهم في تربة الأوطان، أرواحهم في جنة الرضوان”
سكنتْ القدسُ روح مؤلف الكتاب، استولت على شغاف قلبه، توحَّد فيها، فوضع معادلة أدبية رياضية، قال: “الحبُّ زائد الحزن، زائد الحرمان، يساوي الحنين” هذه المعادلة الأدبية هي بالفعل نتاج التماهي الأدبي مع القدس وشعرائها!
الحنين للقدس عند المؤلف هو باعث الأناشيد والأغاني الخالدة، على شاكلة أنشودة العرب الخالدة للشاعر السوري فخري البارودي، المتوفى عام 1966م حين قال: “بلادُ العرب أوطاني….من الشام لبغدان…. ومن نجد إلي يمنٍ…. إلى مصر فتطوان…. لسان الضاد يجمعنا…. بعدنان وقحطان”.
هذه الأنشودة خرجت من كونها حروفا مكتوبة، لتصبح صحوةُ وانتفاضة وهبَّة قومية، ها هي اليوم أنشودةُ العرب تعود للأسف إلى صفحات الكتب الصفراء القديمة، على رفوف المكتبات التقليدية الآيلة للسقوط!
أخيرا، لم ينسَ د. محمد ابراهيم حور أن يضع في نهاية كتابه اقتباساتٍ شعريةً للشعراء، أحمد مطر، سميح القاسم، أحمد دحبور، إبراهيم طوقان، المتوكل طه، تميم البرغوثي، وغيرهم!