غيمات السعادة

بقلم: ياسمين كنعان

سألها: ماذا ستكتبين هذا المساء؟!

ضحكت، وحبست قهقه عالية بيدها..قالت: إسألني أي حماقة سترتكبين هذا المساء!

ضحكا معا ضحكة مائية، وتكاثفت في السقف غيمات السعادة.

سألته:”ماذا تريدني أن أكتب”؟!

فتش في أعماق نفسه وعاد إليها مبتهجا بابتسامة أبدية لا تفارق ملامحه، كانت حين تغمض عينيها لتستعيد وجهه، لا ترى من ملامحه إلا ابتسامة بيضاء!

قال لها وهي تتأمل ملامحه الطفولية: ” أكتبي عن وحي فقد الذاكرة ونقل الرسالة من عقله”!

قالت وهي ترسم علامات الاستفهام على جبينها : لم أفهم !

قال:” ولن..غيبي في اللاوعي؛ أو كوني وحي نفسك وأكتبي”!

غبت ولم أكتب كانت مخيلتي تحاول رسم صورة لملاك فقد الذاكرة ونقل الرسالة من وحي عقله ..كانت الصورة تستحوذ على كل تفكيري؛ وشعرت بحفيف أجنحة تمر بنعومة على أصابعي ووجهي؛ ولا أعرف إن كنت متيقظة أو نائمة، أو بينهما..لكنني انتفضت وكأن الوحي ألقى في روعي كلمات فخشيت أن أضيعها إن استيقظت أو إن غرقت في النوم تماما!

تناولت الدفتر المدرسي، وكتبت ما أوحاه علي الوحي؛ ولن أدعي أني رسولة ولا نبية، لن أقول هذا وحي يوحى؛ لكنها لحظة تتجلى فيها الفكرة، هي لحظة تتجسد فيها الصورة والمعنى في كلمة، هي أعمق من عمق ذاتي، وأقل من وحي سماوي..هي بينهما!

تماما مثل إغفاءة وانتفاضة، أو مثل روح يلامسها الحب فتهب منتشية، أو مثل وردة عطشى يزورها المطر بعد غياب!

لم أكتب هذا المساء؛ استمعت لوحي فقد الذاكرة..تخيل ما الرسالة التي قد يمليها علي هذا الوحي؛ ستكون رسالة سماوية أرضية؛ أقصد بينهما؛ ستكون من وحي الغيم، ومسك الأرض، تلك الرائحة التي تعبق من الأرض بعد اللقاء الأول مع وابل من المطر؛ تلك الرائحة التي أجمعنا على تسميتها “مسك الأرض”؛

هي كذلك..هي كذلك !

ثم ماذا أكتب هذا المساء، وأي حماقة قد يقترفها قلمي؛ ألم أخبرك مرارا أنك أكبر حماقاتي..قلت لي وأنت تنظر في عيني مباشرة، وتلك كانت اللحظة التي تغيب فيها عن الوعي تماما؛ وأنا صرت أعرف متى تغيب، وأين هذا الذي تصطلح على تسميته هناك..!

قلت لك: لا حاجة للغياب ولا أن تذهب بعيدا هناك..غب هنا وسأغمض عيني، ولن أتلصص على هشاشتك حين تحلم بي وأنا معك..ولن أتتبع رحلة أصابعك وهي تكاثف الغيم في دمي…غب هنا، وكن حاضرا !

قلت:” سأغيب وكأنني الحاضر الأبدي في خلاياك، وأحضر كأنني ما كنت يوما غائبا، سأسجل دخولي العلني إلى قلبك ..حدقي مليا في السقف؛ ثمة غيمة هناك، تكاثفت حتى هطلت على قلب الجميلة..الحب يا صغيرتي مطر؛ هل سمعت عن شمس تروي الروح”؟!

وأمام حيرتي، لم أكن قادرة على الجزم من الذي اقترف هذه الحماقة المسائية هذا المساء؛ أنا أم أنت أم ذاك الوحي الذي نقل الرسالة من عقله لا كما كانت توحى إليه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى