ليس – أبارتهايد في المناطق- بل أبارتهايد
جدعون ليفي | صحفي إسرائيلي غير متصهين
(لا يوجد فقط ابارتهايد في المناطق المحتلة، بل يوجد ابارتهايد في كل إسرائيل. نحن شركاء لها، فهذه دولتنا)
فقط في نصف سنة من الـ 73 سنة من حياتها كانت دولة إسرائيل ديمقراطية – ستة أشهر وليس أكثر.
هذه الحقيقة الصادمة والتي معظم الإسرائيليين وكذلك العالم يقمعونها – ورجال الحق لا يوجد لديهم سبيل لانكارها – يجب أن تدوي في كل درس مدنيات وفي كل نقاش حول إسرائيل.
كل هراء “بيبي يدمر الديمقراطية” ينسي الحقيقة الخالدة: فقط مدة ستة اشهر تعاملت الدولة مع كل الناس الواقعين تحت سيطرتها بصورة ديمقراطية، على الأقل نظريا. خلال عشرات سنوات حياتها تعاملت اسرائيل مع جزء من رعاياها بصورة استبدادية، لهذا ليس لها علاقة بالديمقراطية.
في 21 تشرين الاول 1948 اخضعت إسرائيل مواطنيها العرب لسيادة حكم عسكري. وفي 1 كانون الاول 1966 رفع رئيس الحكومة ليفي اشكول هذا العار. نصف سنة بعد ذلك، في حزيران 1967 عادت الديكتاتورية العسكرية الى تحديد النظام في اسرائيل، ومناطق الاحتلال الجديدة لها اخضعت لسلطة الجيش.
الاحتلال العسكري استمر حتى الآن ونهايته لا تلوح في الافق. بقي فقط القناع، والآن ايضا بدأ هذا القناع بالتمزق. ولكن الطريق الى ازالته ما زالت طويلة وكذبة الديمقراطية في اسرائيل متجذرة عميقا في الوعي.
“بيتسيلم” نشرت في الاسبوع الماضي ورقة عمل دورية من ناحيتها. للمرة الاولى اجتازت هذه المنظمة العقبة الكأداء وقررت أن نظام التفوق اليهودي الذي جرائمه تقوم بتوثيقها منذ انشائها، لم يبدأ فقط في مناطق الاحتلال، بل في كل المنطقة بين البحر والنهر. قبل ايام من ذلك نشر المفكر والباحث الامريكي الذي يعيش في القدس، نتان ثروغل، مقال موسع يفتح العيون ويوسع الفكر، بعنوان “وهم الانظمة المنفصلة”.
ثروغل لا يتردد في انتقاد المنظمات والمؤسسات الصهيونية – الليبرالية واليسارية ظاهريا، بدء من ميرتس و”السلام الآن” وحتى يوجد حكم و”هآرتس”. هي جميعها تؤمن بأنه توجد هنا ديمقراطية، وهي تعارض الاحتلال لأنه يمكن أن يضعضع ايمانها الكاذب بأن الاحتلال يجري خارج اسرائيل، وأنه مؤقت فقط. الفصل بين الاحتلال وبين اسرائيل ما زال قائما في نظر هذه المنظمات، لذلك هي تضلل.
الدرس من الوثيقتين واحد وهو أنه ليس بالامكان مواصلة الحديث عن “ابرتهايد في المناطق”. ليس بالامكان فصل المناطق عن اسرائيل، وليس بالامكان أن نرى في الاحتلال أمر مؤقت. النتيجة هي أن اسرائيل دولة ابرتهايد، مثلما في جنوب افريقيا كان من المضحك الحديث عن ديمقراطية رغم أنه كانت فيها انتخابات فانه من المضحك أن نرى في اسرائيل ديمقراطية. اذا كان جزء منها ديكتاتورية فجميعها ديكتاتورية.
لا يمكن الجدال حول حقيقة أنه في المناطق المحتلة يطبق نظامين للحقوق والقوانين، على قاعدة فصل قومي، هذه حقيقة ليس هناك اكثر قطعا منها. ايضا كون الاحتلال مؤقت هو ادعاء أكل الدهر عليه وشرب. لذلك يجب التوقف عن التخويف والادعاء بأن اليمين هو الذي يقود الى ابرتهايد – الابرتهايد موجود هنا منذ العام 1948.
الطريق مؤلمة لمن ولدوا هنا ويعيشون هنا. أدمغتهم تم غسلها منذ الرضاعة على يد آلة الدعاية الصهيونية وهم يجدون صعوبة في التحرر من اكاذيبها وقيودها، ومن كل ما قصوه عليهم. في البداية كان يجب الاعتراف بحقيقة أنه يوجد هنا ناس آخرين. وبعد ذلك الفهم بأنه يوجد هنا شعب آخر، الذي كان هنا قبلهم.
وبعد ذلك كان يجب أن نسأل ما هي هذه البيوت والقرى المدمرة الموجودة على جانبي الطرق، والاعتراف بالنكبة – كارثة الفلسطينيين. وكان يجب أن نفهم بأن الاحتلال هو أم كل الخطايا والأمل بانهائه بدولتين. وبعد ذلك أن نفهم بأنه لم يولد في أي يوم السياسي الاسرائيلي الذي كان ينوي ذلك، وادراك أن الاحتلال من شأنه أن يبقى هنا الى الأبد.
فقط عندها كان يمكن الاعتراف بحقيقة أن الاحتلال هو الذي يحدد النظام في اسرائيل، وليس المحكمة العليا أو الانتخابات أو حريات لليهود والقليل من الحريات للمواطنين غير اليهود. التفوق اليهودي هو في كل شيء، مثلما قالوا في “بيتسيلم”. لا يمكن الفصل بين اسرائيل الجيدة والاحتلال السيء، مثلما قال ثروغل.
تعرفوا: ابرتهايد. دولة ابرتهايد. نحن نعيش فيها، نحن جزء منها، نحن شركاء لها، فهي دولتنا.