قصة لوحة: رِئمُ الشَّمال
ريمة العجاجي | فنانة تشكيلية وكاتبة سورية
اللوحة المرفقة للفنانة ريمة
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه” .. وكل الدروب مُنعرجات للغربة، تدعو بأناقة للبكاء ليطل وجهُ ” تسنيم ” كطلل من بلادي بين إرهاصات الروح التائِقة لتفريغ ذاتِها على قِماشِ لوحة ، وبين قلبٍ متحفزٍ للبكاء لكل نأمة حزن تدعو العيون بدعوة / ذي القروح /
“قفا نبكِ”.. وتطرق صورة طفلةُ سُهوب الشمال باب القلب في وضح الجمال ، محتضنة حملها الصٌغير
كانت ملاكاً بابتسامةٍ طاغيةٍ على إبتسامةِ كيوبيد … تستل كل وجعنا الرابض بين تجاعيد الشجن
ليست ( هايّدي ) كما أسموها تمجيداً
فَيُتْمُ أطفالنَا طغى على يُتْمِ طفلة الألب في <<رواية هايدي>>
يُتْمُنا الذي يكتسِحُ أيامنا المُجرّحة بالغيابِ والفقد.
أذكُر زيارتي لِجبال الألب ورؤية المكان الذي كان مسرحاً لهايدي اليتيمة وأغنامها وكوخُ الجَّد ، وضعوا مجسمات تمثل أبطال الرواية، يحتفون بالمكان وبشخوصهِ.
زُرتُ المكان ولمْ يُبارح ذاكرتي حُلمُ هايّدي وهي تعتلي الغيوم مع خِرافِها .. كبِرنا وكبُرت الخراف ومازلِتُ تِلك الطفلةُ التي تريدُ ركوبَ الغيوم.
حين قررتُ رسم طِفلةَ الدّيار ، غاصتْ روحي في تفاصيل الصورة ، اكتشفتُ أن البطولةَ كانت لابتسامةِ تسنيم التي ستكون حامل العمل ، وسِرّهُ وذاتهُ العميقة.
أنهيتُ العمل، ولم أكن متأكدة أنني تصالحتُ مع سِر اللوحة وعمقها الرّوحي بعيداً عن تَكنيكٍ اللون وتأثيرات الفراغ وبقعُ النّور وسطوةُ الظِّل ومدارس الفن.
تَسربَلتُ في صمتي الكبير، فالمقارنةُ بين راعية الألب وراعيةُ السُّهوب التي ارتوت بِدماءِ أهلها مقارنةً غير مُنصِفة.
بين طبيعة تكتسي الثلج وتُزهِرُ في ربيعها كما يجبُ أن يكون ، وبين طبيعة تكتسي جُروحَ أهلها بوجوههم المتعبةِ المرسومةِ بحكايا الحزن، وبين الجبال الساحرة التي كان مسرحاً لأجمل قصة يتم ابتدعها الرواة،
وبين تلال الخراب التي وقفت راعيتنا الصغيرة فوقها حاملةً خروفها الجميل… هناك إبتسامة بريئة ، حُلوة ، خجولة … لكنها ساخرةٌ من الجميعِ، ساخرةٌ مِمن قتل ، وشرّد ، وهجّر ، واستباح مالايُباح.
ابتسامةٌ ساخرةٌ بِجمالِها من قُبحَ هذا العالم وكائناتهِ العبثية المُرعبة.
لِتظلَ ابتسامةُ طِفلتَنا حكاية وجوه أولاد البلاد اليتيمة وأطفال مُخيّماتِ النُزوح….
لمْ أعد أحلمُ ذلكَ الحُلم الذي شغفُ هايّدي اليتيمة مع الغيوم، سكنتني راعيةُ بِلادي الصَّغيرة وهي تبتسم كَرِئمٍ غَرير، عدتُ لبلادي على ظهر غيمة، لأرسم تسنيم التي لن تكبر داخلي وستظلُ رِئمُ الشَّمال الذي يعتلي التلال وهي تحمِلُ خروفها الأشقر.
إبتسامة رئم الشمال مشروعٌ جميل لتوثيقهِ فنّاً، وأدباً …. يؤسطِر يُتمنا جميعاً .
لا أدري أيهما أجمل االصورة ( رئم الشمال)
أم النص الذي يلامس جروح أرواحنا المتعبة..؟!
دمت مبدعة حرة كريمة