لامرأة تصنع التاريخ بالقبلة

فراس عمر حج محمد |فلسطين

 

1

القبلةُ عاريةٌ بيضاءْ

تتبخترُ… تحتدمُ

القبلة تأكل قُبلتها إن لم تجد ما تأكله

الشفة العليا تأكلها السفلى

برحيق الشهوة تأتدمُ

القبلة موسيقى الشوقْ

بجموحِ اللحظة تلتحمُ

القبلةُ دفءٌ شمسيٌّ

بصفاء الليلك يلتئمُ.

 

2

قبلتها بين الشفتينْ

قطرة ولهى على الخدّينْ

ما بين الحياة والحياة الآخرةْ

طيرٌ مهووسُ النهدينْ

هذا القادم من وردة فمْ

العالم في هذا المعنى:

القبلةُ كائننا الحيُّ…

اللهفةُ أمّْ

والوردةُ هذي المجنونة فينا

بنتُ الشغفينْ.

 

3

قبلة تنبتُ في شفاهي كلّما قالت:

“حبيبَ القلبْ”

تدفّقُ في عروقي نهر حبّْ

شجري يصبحُ أعلى

ودفء أوصالى تجلّى

وتحيا في القصائد كلّ ألوان الطّربْ

كلّما نهضت من نومها

وشقّ الصّبح عن أحلامها

تكتنز اللّغاتُ بطعم جملتها

تكاثرُ في المدائنِ وحيَ ربّْ.

 

4

يا بنت ضوْءِ الهوى

الضّوء ملءُ يدي

فمرّري شفةً

في بحرها شفتي

وقبّليني على

جوع الهوى وَلِهًا

يحيَ الموات الّذي

يجتاح لي جسدي

ولتزرعي لغتي

حرفًا وأغنيةً

كيما تقوم على

أركانها لغتي

هات الصّبابةَ لا النْـ

نِسيان يعرفني

وليس يعرفني

من عُرفه جَلَدي.

 

5

قبّليني كي أشعر أنّ هذا العالم حيّْ

في الشّارعِ

في الشّاشاتِ

في كلّ مكان

بين حشود الآلاف من الفقراءْ

لتصير القُبلة قِبلة شعبْ

أيقونة حبّْ

قبّليني كي ننهيَ عهدًا “مفضوحًا” بالرايات وطعم الحربْ

وظّفي اللغة السرّيّة في هتافك ضدّ الأشباحِ الصفريّةِ

ضدّ الظلِّ وضدّ الموتِ

الموجِ

الليلْ

ضد ملوحةِ ماء العينْ

ضدّ اللغة الرسميّةْ

في أدب الهجرة والبيْنْ

قبّليني لندخل دون خناجرَ أو بنادقْ

أبواب “الواقع العِلْميّ” والعمليّ

هنا ع كلّ لفظةٍ في القصيدةِ قبّليني

لينبتَ في ثغرينا الوردْ

لتكون الثّورةُ طعم الحبِّ

وطعم الشعر وطعمَ السردْ

أيّتها القبلة في الثورة

في المرأةِ شهدٌ

وعدْ

خضّبي الأغاني بلثمِ الشفتينْ

فالأرضُ نشوى

والشهوة في سماء الغيم بدّلت حِرفتها

لتصبح قوّة ثوريّة عظمى…

قبّليني كي أشعرَ أنّني قد صرتُ حيًّا

حرًّا

رجلًا ثوريًّا..

فالآتي ليس كضربة نرد

 

6

قبّليني

لأشعر بالألفة بين الماء وبين النار

بين الطير وبين الصيّاد

بين الوحش الكاسر في الغابات وبين الناس

كي لا يؤذي الحجرُ الأعمى

أجساد الثمر الغضّةْ

 

قبّليني

كي تكبر الرأفة بين الدير وبين المسجدْ

بين القدّيس وبين الشيخ

بين التوراة وبين الإنجيل

 

قبّليني

كي أرتدّ إلى ديني الفطريّ الأوّلْ

قبل رجال الدّينِ

بنات الدّين

والأعياد الرّسميّة

 

قبّليني

كي أحفظ مفردات الله قبل ظهور الجنّةْ

والدركات السّفلى من نُزِل الجحيمْ

قبل أن تظهر في لغتي أسماء الطاغوت الإنسيّ الأحولْ

 

قبّليني

لأرى الله على امتداد بصيرة حيّةْ

تغمرني الرؤيا بنور الأنبياءْ

ويصيرَ الحبّ هو الأجملْ.

 

7

قبّليني

ترتفعِ السارية ياردتين أخريينْ

تحيَ القبائل في سلامٍ ونِعَمْ

قبّليني

لتقبلني الحرّيّة الحرّى

وتُروى في ابتهالاتِ العَلَمْ

ينموَ في راحتيّ حقل من زهور الفلّ والنسرين

يرقصَ في شفتيّ النغمْ

قبّليني

لأكتب أكثرْ

يطوفُ بنا النشيد فمًا لفمْ

قبّليني

كلّما اشتقتِ إلى محو الخطايا والندمْ

يبتعد الغول عن قمر الحكايا

ليطهُر في الشريان دمْ

قبّليني

بشرعة عيسى وأحمدْ

لينهض كلّ شيءٍ من عدمْ.

 

8

قبّليني

كي يموت البرامكةُ الدخلاء في باب المدينةْ

ويرتاح الصراع من أبّهة الدخان

وتعود الأبجديّة طفلة تضحك دون تجنيس من الفقهاء الغارقين في بحر الدماءْ

وتظلّ الشمس قرصَ نارٍ في سماء الله تعطي الكلّ نورًا وضياءْ

وطريقًا غير معوجٍّ بأوهام الرعاةِ الأشقياءْ

قبّليني

كي نطعم النيران تاريخًا طويلًا من حروب الدّين والدّنيا

ونفهم جيّدًا أنّ الحياة “كبدْ”!

تَمرَّغُ في وحول الاشتهاءْ

كي يفهم الشّيطانُ أنّ لعبته رمز هبائيٌّ غنيّ في دلالات الهراءْ

واقلبي التّاريخَ… علّ هذا الكون يهدأ ثانيتين قدر مذاق قبلةْ

قبّليني

كلّ صبح قبلتين بفكرتينْ

وفي المساءِ استعيديني بواحدة أخرى على مهْلٍ

لأدرك دفء دمكْ

يسري في دم الأزهار يزهرُ في دمي

قبّليني

كي أفهم أنّ الثّورة ليست مؤنّثة فقطْ

أو أنّها مؤقّتةٌ على مزاجِ الخبراءْ

كي أفهم أنّ هذا الفكر طاغوتٌ يعود إذا ما لبسنا الظّلّْ

وناجينا السّماءْ.

 

9

قبّليني

كي أدرك طعم الشّفة الحلوةْ

كي أستقبل هذا المجاز بضحكةٍ بريّة خَضْرا

فأنا ما زلتُ أبحث في العنوان عن المدلول

في اللّفظ النّاعم كي يُقْرا

قبّليني

يحملْني المجهول إلى المعلوم

يفكّكني المعنى

ينحلّ الغامضُ في قلبي

والواضح معنىً لن يُنسى

قبّليني

كي أتحاشى العبث الكلبيّ

المخفيّ

العلنيّْ

وأشدّ لجام اللّاوعيْ

والقلبَ العابر إذ صلّى

قبّليني

نسائم صبح تلهو بخصلة شقرا.

 

10

قبّليني

كي تظلّ الخمرةُ في فمي

نشوةً لا تنتهي

يا بنت ضوء الهوى والشعلةِ الحرّةْ

القبلة فعلٌ ثوريّ

تظلُّ تزغردُ في الصورةْ…

 

11

يا ليت لي قدرة الوحيِ كي أضمّكِ لي

أقبّلكِ دون خوف من حسيب أو رقيبْ

أفرغُ في دمي حرارة النشوة الظامئةْ

وأمدّ يدي دون تردّدٍ أحسّ فيك الوردة الهائمةْ

نسير في الطرقات بعفويّة العاطلين عن العمل

يا ليت أنّك ههنا

تشعر الوحدة بالأنس في وحدة التوأمةْ

نعدّ الصباح بغنوة حلوةْ

لا تتركين البيت هذا اليوم

نزرع في حديقتنا زهرتين وفُلّتينِ بقلبِ غيمةْ

وتنظرين إليّ بضحكة الطّفلةْ

هناكَ فقطْ ستنتصرُ اللغاتُ

وتسمو

بنا تتفتّتُ العزلةُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى