عندما يرتدي الكاتب ثوب الممثل

ترجمة: أنغام عبد الرزاق شعيب – شاعرة ومترجمة مصرية

كتبت: جويسي بيكر لي authormagazine.org

إن كتابة شخصية مكتملة تماماً حتى أنها تبدو حقيقية، لهي واحدة من أخطر المنحدرات التي يمر بها الكاتب أثناء عملية الكتابة..

 كيف يمكنك أن تغمر شخصيات قصتك بالدفء والمصداقية؟

الإجابة هي: عليك أن ترتدي جلد الشخصية في قصتك.. عليك أن تكون ممثلاً!

يبدأ الممثل في تكوين الشخصية بسؤاله ثلاثة أسئلة:

من هي تلك الشخصية؟

ماذا تريد؟

ماذا ستفعل لتحصل على ما تريد؟

وبمجرد أن تصل إلى أساسيات الإجابات على تلك الأسئلة، يمكنك أن تبدأ التكوين المتقن لشخصياتك.

بالنسبة للممثلين، فإن هناك عدد من المدارس الفكرية لتكوين الشخصيات، لكن تعتمد جميعها بطريقة ما على جمع واستكشاف الذكريات والعواطف الخاصة بالشخصية المنشودة، أو ما يسمى بذاكرتها العاطفية، ومن ثم دمجها بالشخصية المكتوبة، وككاتب يمكنك دمج تلك التقنيات في عملية الكتابة لخلق شخصيات أقوى.

واحدة من أشهر تقنيات التمثيل مثلا هي تقنية الاستدعاء الحسي، بمعنى تذكر ردود أفعال جسدك تجاه مواقف محددة، فنجد أن الممثلين يحتفظون بمذكرات عن تجاربهم الحياتية وردود أفعالهم الجسدية والحسية عليها، ثم يستخدمون تلك الملاحظات لتذكيرهم بما شعروا به تجاه موقف ما لمساعدتهم في بناء ردود أفعال الشخصيات التي يمثلونها على أحداث مماثلة.. هذه التقنية يمكنك استخدامها ككاتب أيضا!

على سبيل المثال: على شخصيتك أن تواجه موقفاً مرعباً.. كيف يمكنك نقل مخاوف شخصيتك إلى الورق من دون أن تقول مثلاً: ”جون يشعر بالرعب“؟

استدع موقفاً شعرت خلاله بالرعب.. عد إلى الوراء وقف في المكان نفسه، وضع كل تركيزك على كل حاسة من حواسك على حدة..

خذ وقتك لإعادة بناء ذكرياتك.. حاسة تلو الحاسة!

النظر: هل كان هناك ضوء أم ظلام؟ هل كانت تحاوطك الأشجار أم البنايات؟

الرائحة: هل تشم الياسمين أم رائحة مخلفات وعوادم المصانع؟

السمع: هل كنت تسمع أصوات طيور.. أم كانت تهدر أبواق السفن؟

التذوق: هل كنت تشعر بالمرارة في فمك؟ أم كان هناك طعم لاذع؟

اللمس: هل كانت ترتعش قدماك؟ هل ظهر طفح جلدي؟

استدع اللحظة تماماً وعشها مجدداً، ثم انقل ردود الفعل الجسدية تلك على الورق وامنحها إلى شخصيتك وقم بكتابة المشهد.

وسواء كان وصفك تفصيلياً أو مقتضباً في سطرين فقط.. طالما أنك تشعر بذلك يمكنك كتابته.

(ماذا جعل من هذا الرجل، الشخصية التي هو عليها؟)

تماماً كالكاتب.. على الممثل أن يخلق شيئا يبدو حقيقياً تماماً.. من اللا شيء!

عليه أن يطور حياة كاملة وغنية وخيالية تماماً للقيام بدوره.. وفي سبيل ذلك فإن عليه أن يخترع خلفية حياتية كاملة لشخصيته.. وأحداثاً حياتية لن يعرفها المشاهد أبداً.

(نحن إنتاج لكل ما مررنا به في حياتنا)

 وكلما عرفت عن حياة الشخصية أكثر كلما صارت أقرب للحقيقة وأقرب للتصديق.

على سبيل المثال فإن كل ممثل قام بدور (ويلي لومان) قد خلق لويلي لومان حياة كاملة غير مرئية!  حياة بها بعض الملامح من المسرحية، والعديد من الملامح الأخرى..

وكل خلفية حياتية لويلي لومان تختلف عن الأخرى، وكل خلفية قد أثرت على كيفية ظهور الشخصية جسدياً، بما يجعل ويلي لومان يبدو مختلفاً مع كل ممثل.. تلك الخلفيات ستعمل على تحسين واكتمال الشخصيات عند الكتابة أيضاً.

(ويليام “ويلي” لومان هو شخصية خيالية وبطل مسرحية آرثر ميلر الكلاسيكية “موت بائع متجول” ، والتي ظهرت لأول مرة في مسارح برودواي في ١٩٤٩/ المترجمة)

ابدأ بما قد خططت له بالفعل: هدف الشخصية، والتعقيدات التي سوف تقابلها وتتغلب عليها.

ثم بينما تجسد قصتك، تخيل حياة سابقة وأحداث قد مرت بها الشخصية قبل أن تبدأ القصة المكتوبة، وكيف أثرت تلك الأحداث على الشخصية.

ابدأ بأسئلة بسيطة:

أين ولدت الشخصية؟

أين نشأت؟

ودع خيالك يتحرك بحرية لتخيل أحداثاً منطقية الحدوث لشخصية لها تلك الظروف..

هل كان والديها محبين أم كانا يسيئان للشخصية في طفولتها؟

هل مات أحد أقرباؤها في حادث قارب، وكانت الشخصية مسئولة عن ذلك مثلا؟

هل للأسرة تاريخ مرضي مع مرض الزهايمر؟

هل تاهت في المدينة بعمر السابعة ثم استطاعت العودة إلى البيت بمفردها؟

ابتدع أحداثاً خيالية، أحداثاً سعيدة ومحزنة، وستساعدك تلك الأحداث على فهم الشخصية التي تكونها.. مخاوفها ونقاط قوتها، تلك التي ستؤثر على ردود فعلها في المواقف المختلفة في قصتك.

معرفة ما يحدث بدماغ الشخصية التي تكتبها سيساعدك على تجسيدها في لحم ودم، سيضفي تفاصيل واقعية عند وصفها بدقة.. تشنجاتها غير الإرادية التفاتاتها وتعبيراتها العابرة، تلك التفاصيل التي تخلق شخصاً مكتملاً!

مثلا فإن الشخص الذي عرف جداً محبوباً مات بضربة برق.. سوف يتفاعل مع العواصف بطريقة مختلفة عن الشخص الذي علمه جده الرقص تحت المطر.

(غالباً ما تكون الأشياء المادية في ماضينا منبهات قوية لمشاعرنا في الحاضر) لذا عليك خلق حقيبة كاملة من الأشياء الملموسة التي يمكن أن يكون لها صلة وتأثير على ماضي شخصيتك.. أشياء مثل الصور الفوتوغرافية والتذكارات وحتى الأطعمة.. لنقل مثلا أن والدته اضطرت يوماً إلى رهن مجموعتها المحببة من تماثيل الأفيال الصغيرة لإطعام العائلة.. لكنها احتفظت بواحد فقط له، بالتالي فإنه في كل مرة سينظر فيها إلى ذلك الفيل الصغير سيثير الأمر بداخله بعضاً من المشاعر القوية.

امنح دائماً شخصياتك أفيالهم الخاصة وإن لم تظهر في الصورة، واربط مشاعرك الخاصة بهم، وستكون النتيجة أنك قد خلقت شخصية أكثر أصالة!

عليك أن تعرف ما تحب الشخصية، وما لا تحب، وعاداتها، وهواياتها..

عليك أن تعرف ماذا تحمل في جيب معطفها، هل هناك صورة لوالدتها أم أن هناك فأر ميت؟! هل تحمل وصفة شيف لأكلة ما، أم بطاقة سائق؟ ربما جرعة كوكايين؟

ضع دائماً في اعتبارك كيف يمكن أن تشكل كل تلك العناصر جزءاً هاماً من حياة شخصيتك.

عليك أن تعرف أيضاً أوجه العيوب الجسدية التي تحملها الشخصية، ربما ندبة من الحرب.. نظر ضعيف أو حتى قلب ضعيف! ستعرف عندها كيف يمكن لتلك العيوب أن تؤثر على تفاعلاتها اليومية.

أخيراً عليك أن تعزز اتصالك بالشخصية التي تخلقها تماماً كما يفعل الممثلون.. لا تسأل: ما الذي ستفعله الشخصية في هذا الموقف؟ أو كيف ستشعر؟ لكن اسأل نفسك: كيف كنت سأتصرف أو أشعر إن كنت أنا تلك الشخصية؟

من خلال ذلك سيمكنك التوحد تماماً مع شخصيتك، وستصبح قادراً على بث حياتك وواقعك على الصفحات البيضاء.

على الكتابة أن تتبع نفس العملية الإبداعية للتمثيل، لأنه في كلا العالمين يخلق الكاتب والممثل عالماً كاملاً للشخصية ليشاركه مع الآخرين،

وباستخدام تقنيات مماثلة، فإنه يمكن لكليهما إنشاء شخصيات صادقة، ومن ثم خلق تجارب مرضية للجمهور بشكل أفضل.

فبراير ٢٠٢٠

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى