أخلاقيات البيولوجيا ومبادئها في النادي الثقافي

كتبت: شيخة الفجرية

أثار عنوان أخلاقيات البيولوجيا ومبادئها سؤالًا بارزًا في ظل ما تعيشه البشرية من تأثيرات جائحة كورونا على العالم، فكان طرح هذا السؤال منذ بداية الكشف عن الجائحة، وفي تسارع الأحداث التي أفرزت ردَّات فعل صادمة تجاه المصابين بالفيروس في الدول الديمقراطية الشهيرة، إذ شاهد العالم أجمع ما نقلته الشاشات الإخبارية وشاشات وسائل التواصل الاجتماعي من خروقات على المستوى الإنساني في  إهمال المصابين  في هذه الدول لدرجة التخلي  عنهم وتركهم لمواجهة الموت دون علاج، وكانت قمة المأساة في تفاقم  الإصابات والوفيات لدرجة أنبعض هذه الدول الكبرى كانت على وشك إعلان انهيار منظوماتها الصحية. ناهيك عن الخلافات والاختلافات في طرق تصنيع العقار أو الدواء الناجع لهذا الفيروس(كورونا)، والذي تنافست عليه مجموعة من الدول خاصة الصين وأمريكا، وقام بين هذه الدول العديد من الجدل فيما يختص بالجائحة وعلاجها.
وعلى إثرِ ذلك أقام  النادي الثقافي جلسة حوارية شيقة بعنوان: “كورونا جائحة  المستور الأخلاقي للأمم”، قدم  الجلسة الحوارية الأستاذ محمد الشحي، قائلًا: “نرحب بكم أيها الأعزاء، في  هذه الأمسية الاستثنائية، ولن نتطرق لهذا الموضوع المكرر إلا من زاوية جديدة وهي زاوية المستور الأخلاقي الذي كشف عن  نفسه مع هذه الجائحة جائحة كورونا كوفيد 19، باستضافة الدكتور أحمد بن  خليفة  الشكيلي(عميد البحث العلمي  في  جامعة  نزوى عضو  اللجنة الوطنية لأخلاقيات البيولوجيا حاصل على دكتوراة في علم  المناعة من جامعة باث في المملكة المتحدة)، والدكتور يحيى بن محمد الفارسي(أستاذ دكتور في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس حاصل الدكتوراة في الطب ودكتوراة  في علم الأوبئة من مدرسة الصحة العامة بجامعة بوسطن)،  ليقاربا  موضوع كورونا كوفيد 19، من  ناحيةٍ فلسفيةٍ أخلاقية”.
بعدها مباشرة بدأ الدكتور أحمد بالحديث عن تاريخ فايروس كورونا متحدثا عن وجود أنواع  مختلفة من هذا الفايروس، فبعضها  يصيب الحيوانات والطيور، وبعضها يصيب البشر، فكان “أول فيروس أكتشف في عام 1966 814b، وفي نفس وe229، وفي العام الذي  يليه اكتشف oc، وفي 1975 أطلق عليه اسم كورونا،  والسبب لإعطائه هذا الاسم هو الإطار الخارجي للفيروس، فهو على شكل تاج وكلمة تاج في اللغة الإنجليزية  اسمها”Crown”، ولم يتم تسجيل أي تغيير جيني في تركيبة الفيروس منذ ذلك التاريخ إلى عام 2002، حيث  سجل  ظهور  سلالة جديدة من نفس الفيروس، وأعطي اسم سارس كوف1، وهذا كان أيضًا شكل وباءً كبيرًا  في العالم، تأثرت منه حوالي 29 دولة حول العالم، وتوفي حوالي  774 شخص  تقريبًا، وفي عام 2003 تم اكتشاف6 أنواع  من نفس فصيلة هذا الفيروس، ثم في عام 2012 ، سجلت حالة من هذا الفيروس سميت بمتلازمة الجهاز التنفسي للشرق الأوسط، وأما  في عام2020 ظهر هذا الفيروس الذي يتشابه مع فايروس سارس كوف1 ، ولأن الكثير من الناس يخلطون بين اسم المرض واسم الفايروس  فإن: اسم المرض كوفيد 19، أما اسم الفايروس كوف2″
كما أردف الدكتور أحمد قائلًا: ” الجائحة تسمى باللغة الإنجليزية(Pandemic)، والكورونا من بداية اكتشافه كان من فصيلة RNA، وهو  نوعين، وهناك من يعترض على  هذا العلم لاعتقادهم أنها علمانية، ولكن هي أساسًا مبادئها  مقتبسة من مبادئ الإسلام المبادئ الأساسية قائمة على:
ـ المنفعة    ـ عدم الإضرار.   ـ الاستقلالية والحياد.   ـ الاحترام   ـ العدالة”.
وعن أخلاقيات البيولوجيا ومبادئها: فهي دراسة فلسفية للخلافات الأخلاقية الناجمة عن التقدم في مجال البيولوجيا (علم الأحياء) والطب.
الأخلاقيات البيولوجية مرتبط بالمسائل الأخلاقية التي تنشأ في العلاقات بين علوم الحياة، والتكنولوجيا الحيوية، والطب والسياسة، والقانون، والفلسفة، واللاهوت.
وأكد الدكتور أحمد:” يجب مراعاة معايير أخلاقيات البيولوجيا عند القيام بأي عمل يخص الإنسان، وكذلك الحيوان.
ومن الأشياء التي يجب أن تراعى هي الإجراءات المتبعة للحد من هذه الجائحة، وهناك الكثير من القضايا التي تخص أخلاقيات البيولوجيا منها:
ـ الشفافية والغموض حول الجائحة، وعدم الإفصاح عن بعض الحقائق المهمة، فبعض الدول تتكتم على عدد الإصابات، وتتكتم عن الحقائق التي لها فوائد للعلماء إذا تم الإفصاح عنها،
ـ الاستناد إلى بيانات قديمة تتعلق بأوبئة سابقة لبناء سياسات التعامل مع الجائحة، مثال على ذلك هو اتباع سياسة مناعة القطيع، “المناعة الجماعية”،
ـ الاعتماد على معارف وممارسات غير علمية.
ـ تؤثر بعض التدابير مثل العزل والحجر الصحي، تأثيرا شديدا في الأشخاص وخاصة الأكثر هشاشة المعرضين للخطر.
ـ نشر المعلومات المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي ممارسات غير أخلاقية.
ـ استغلال حاجات الناس الضرورية كرفع الأسعار الغير مبرر والاحتكار (ويشمل ذلك المواد الطبية والغذائية) وعدم توفير حاجات الناس الضرورية مع فرض قيود صارمة ممارسات غير أخلاقية.
ـ يجب تجاوز جميع الخلافات سواء سياسية أو جغرافية أو ثقافية أو دينية للتغلب على هذه الجائحة.
ـ وضع خطط استراتيجية هدفها الأول هو صحة الناس والمجتمع وسلامتها، والحرص على ضمان فعالياتها.
ـ الاستثمار لتطوير النظام الصحي وبناء أنظمة متينة للصحة العامة لاستيعاب الازدياد المضطرب في أعداد الحالات المصابة بفيروس كورونا وهم بحاجة إلى التدخل لإنقاذ حياتهم”.
وفيما يختص بالجوانب الأخلاقية التي تتعلق بالبحث العلمي؛ قال الدكتور أحمد:”
ـ من الضروري تسريع الإجراءات المتعلقة بالبحث العلمي لتفادي تأخير البحوث في حالة الطوارئ مع احترام المبادئ الأخلاقية.
ـ لا يجوز انتهاك المبادئ الأخلاقية ولكن يجوز تعديلها بحيث تتناسب مع الأوضاع الاستثنائية الطارئة.
ـ عدم إجراء البحوث في هذه الأوضاع لأهداف الربح فقط، بل ينبغي اعتماد قيم الشفافية وتبادل البيانات واستفادة جميع البشر من منافع البحث العلمي”.
ثم بدأت مداخلة الدكتور يحيى بن محمد الفارسي مداخلة أدبية فلسفية ممتعة، بدأها ببعض التعريفات معرجًا على البيت الشعري من شعر عمرو بن الأهتَم المِنْقَري:
لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا   ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ
ثم أردف قائلًا:” نسلط الضوء على بعض الجوانب التي قد تخفى على المهتمين بالجائحة، فمن المشاهد في ظروف الجائحة هذه أن الطرح العام يكون طرحا طبيا وطرح في الرعاية الصحية وطرح اقتصادي وطرح اجتماعي، حيث لا يخفى على الجميع التداخل بين الحياة الصحية والحياة الاقتصادية والحياة الاجتماعية،
وهناك جانب مهم وهو الجانب الأخلاقي الذي يعم هذه الجوانب كلها، وهو يشكل الإطار العام للحياة ولا ينفك عنه الإطار التشريعي والقانوني، وكتوصيف بسيط لما حدث في هذه الجائحة هو الذعر الاجتماعي العام الذي حَلَّ بالبشر في هذا الظرف الاستثنائي.
وأهم المشاهد هو مشهد البيت الحرام والكعبة المشرفة وهي خالية من الطائفين، فهذا شكل صدمة ثقافية للغاية، على العالم
لم يسبق قبل هذا الظرف الاستثنائي أن نرى المدن العريقة ذات الأسماء اللامعة مثل: نيويورك، لوس انجلوس، لندن، باريس، برلين، سيدني، نيودلهي خاوية. صارت مدن أشباح، خالية من السيارات خالية من المارة، كان شيء صادم للبشرية، والحقيقة هذا الذعر أساسه الخوف من الموت”.
ثم عاد ليستشهد بالشعر قائلًا: يقول المتنبي:
نُعِدُّ المَشرَفِيَّةَ وَالعَوالي
وَتَقتُلُنا المَنونُ بِلا قِتالِ
في هذا الظرف الاستثنائي البشرية تحتاج إلى التركيز على مفهوم التضامن بين البشر، ومفهوم تقديم الآخر على النفس، و” ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وكما ورد في صحيح مسلم عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. صدق رسول الله
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم استحضر المرض رمزية للتضامن البشري وهو مقارب كثيرًا لما نحن فيه، والتضامن يكون عامَّا.
ففي اللحظة التي أتحدث فيها إليكم يوجد على كوكب الأرض 175 مليون متشرد ليس لهم مأوى، ومليار و600 مليون إنسان لا يملكون مسكن ملائم، وبيئة المسكن غير الملائم أسوأ من الانطلاق في   الشوارع، ويعاني قرابة 800 مليون إنسان من عدم كفاية   الطعام وتقول له خليك بالبيت! أي بيت؟
إن الفكرة التي أود أن أصل لها إن الحلول من وجهة نظر المؤسسات والحكومات والنظم والمنظمات منطقية وآنية ولكنها من وجهة نظر الإنسان البسيط ليست منطقية”.
بعدها جاءت مداخلة من الدكتور علي العبري يدعو فيها إلى المزيد من هذه الفعاليات حول العلاقة  بين الجوائح والإطار الديني، و ما يمثله الإطار الديني من مرجعية أخلاقية أكثر من كونها تشريعية كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :” إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق”.
ثم كانت مداخلة مهمة للأستاذ الشاعر  عبدالرزاق الربيعي قال فيها بعد شكر ضيوف الجلسة متحدثًا عن  أن الجائحة:” نوع من زعزعة الإيمان والثقة وجعلت الإنسان يزداد شعوره بالإحباط والعزلة التي تعمقت مع انتشار الجائحة، والشعور بالاقتراب الوجودي وكشفت عما أحدثته من هزات على المستوى الاجتماعي والمستوى الاقتصادي، وكلها انصبت على زيادة انكفاء الإنسان على ذاته، وإزاء هذا  الوضع لا بد من حلول، والحلول في الجانب الإيماني طبعًا، والجانب الإيماني كان حاضرًا، والجانب النفسي ونعرف مسرح الشرفة الذي ظهر في إيطاليا وكيف قمت عرض ممتعة من الشرفات للجمهور في الشرفات المقابلة وكذلك الغناء، والفنون التي استعملت للتلاحم البشري وإعادة اللحمة إلى ما كانت عليه. والسؤال عن دور الفنون، فهل أنتم راضون عما قامت به الآداب والفنون في إعادة ترميم ما خربته الجائحة في النفس البشرية؟”
كان ملخص الرد من الدكتور يحيى: “في الأزمات نحن لا نحتاج الدواء فقط، ولا نحتاج دور الإنسان السياسي فقط، ولكن نحتاج أيضًا دور الروح الإنسانية التي يفجرها الأدباء والشعراء والموسيقيون، ومشهد فيلم تيتانك في لحظة الموت كانت الفرقة الموسيقية تعزف وهذا له دلالة إنسانية”.
الذي قضى على الحضارة الرومانية كان فيروس، فالفيروس يبدأ بقتل الإنسان ثم بعد فترة الإنسان يقتل الإنسان، لأن الجوائح تؤدي إلى مشاكل اقتصادية عميقة تؤدي إلى شح في الموارد تؤدي إل أزمات اقتصادية فيبدأ القتال وتندلع الحروف ويفني البشر بعضهم بعضًا.  حدث هذا في الطاعون الأسود في أوروبا حدث في الأنفلونزا الإسبانية والتطهير العرقي للأقليات في أوروبا كان أساسه الفيروس، فلاتزال البشرية محظوظة إذ أننا إلى الآن لم ننجرف إلى حروب هائلة.
كما تحدث أحد الحضور في مداخلته عن تعزيز القيم ومنها أهمية التضحية فالتضحية هي التي تخلق الانتصار في الحرب أو على الجائحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى