مجالس العلم .. خواطر ودلالات (١)
رضا راشد باحث في البلاغة والأدب | الأزهر الشريف
(1)
في خضم هذه الأمواج المتلاطمة من مجالس اللغو والرفث والعبث التي باتت تملا واقع الأمة المحمدية التي ضلت عن غايتها وانحرفت عن مسارها؛ وفي وسط هذا الظلام الدامس من الجهل- يأتي هذا المجلس قاربَ نجاة يلوذ به المخلصون ممن يخشون على أنفسهم الغرق في بحار الشهوات والفتن؛ بلوغا لمرفأ الأمان وشاطئ السلام؛ وشعاعا من نور يخترق سدف الظلام في هذه الفلاة المترامية ليهتدي به السارون .
ذلكم هو مجلس قسم البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بـ(إيتاي البارود)، روضة غناء وحديقة فيحاء شرفت بحضورها وتنسم عبيرها عبر الإنترنت بدعوة كريمة من معالى العميد فضيلة الأستاذ الدكتور سلامة داود عميد الكلية – حفظه الله تعالى – .
انعقد المجلس مساء السبت الماضي عقب صلاة العشاء – وكذلكم ينعقد كل أسبوع – على مدى أكثر من ساعتين انهمرت فيها على عقولنا وقلوبنا غيوث المعاني، وأبكار الأفكار، وجميل السجايا والخلال .
ولئن قعد بي عجزي عن مشاركة أصحابه والقائمين عليه في جليل عملهم، فلا أقل من أن أشاركهم ثوابهم، وأزاحمهم بعض فضلهم بالدلالة عليه.. فالدال على الخير كفاعله.
فهاكم بعض الخواطر التي انبعثت في قلبي وعقلي بعد هذا المجلس.
استعادة لتاريخ مجيد ووصلا لطريف بتليد
إنه مجلس علم: تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة وتنزل عليه السكينة، ويذكره الله في الملأ الاعلى إن شاء الله.
وماله ألا يكون؟! وهو مجلس تستعيد به الأمة شيئا من تاريخها المجيد يوم أن كان العلم شغل أبنائها الشاغل على اختلاف حرفهم وتنوع صناعاتهم؛ فلا غرو أن تجد إسكافيا يهدي للأمة من نفيس عقله درة مصونة ولؤلؤة مكنونة هي (درة التنزيل وغرة التأويل) للخطيب الإسكافي الذي يقول في مقدمته-دفعا لاحتقار الكتاب احتقارا لمهنة كاتبه-:” وليس على الله بمنكر مستبدع أن يعثر خاطر عبد ربيء على كنز حكمة في القرآن خبيء او يبلغه في لطيف من لطائف كلامه حدا لا يبلغه أحد وإن كان أوحدا”[ص٣] وما كان ذلك -بعد فضل الله -إلا ببركة مجالس العلم التي عمت آنذاك كل مكان؛ وإلا فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة .وليقس ما لم يقل.
وهذا شأن عجيب في أمة كانت منذ قرنين أو أكثر قليلا توصف بأنها أمة أمية 《هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة》 [الجمعة : ٢]
أمة لم يكن لها مع العلم من قبل كبير صلة، حتى إذا أراد الله لها الخير بعث إليهم من أنفسهم رسولا هو خاتم النبيين وسيد المرسلين بكتاب عربي مبين. وإذا أول رسالة سماوية فيه إلى أهل الأرض 《اقرأ باسم ربك الذي خلق^ خلق الإنسان من علق^ اقرأ وربك الأكرم^ الذي علم بالقلم ^علم الإنسان مالم يعلم》[العلق٥:١]
أمرٌ لنبي أمي أن يقرأ على أمة أمية خير كتاب أنزله الله من السماء لأهل الأرض، فتلقت الأمة الأمية هذه الرسالة الإلهية التي تربطها بالعلم تعلما (بالقراءة) وتعليما بالكتابة (وأداتها القلم)، تلقت الأمة ذلك بآذان واعية وقلوب صاغية، فانطلقت تقرأ كتاب ربها وما ورثته من عيون الأدب عن أسلافها، حتى استولدت من رحم حروف الكلام العلي (وحيا) والكلام العالي (شعرا ونثرا) علوما عربية النسب لحما ودما، ولو كره الكارهون وكذب الأفاكون.
استولدت الأمة بالقراءة من رحم الحروف وبطون الكلمات قواعد تحفظ للكلمة العربية معناها ومادتها وبنيتها، وتحفظ للجملة العربية نظام تركيها وقوانين تأليفها، وتحفظ للكلام العربي قوانين استحسانه واستهجانه؛ ليبقى الفرقان البين بين الكلام الحسن والرديء، فلا يستحسن قبيح ولا يستقبح حسن مليح ..كل ذلك من خلال علوم اللغة، والمعاجم، والصرف، والنحو، والبلاغة، والإعجاز ..إلخ = كما استخرجوا أيضا قواعد لاستنباط الأحكام من الأدلة من خلال علم أصول الفقه=ثم اتخذوا من هذه الأصول وتلك العلوم تكأة وعُدَّة لما كان من علوم شرعية: تفسيرا، وحديثا، وفقها… وما إلى ذلك من علوم حاولوا به استبانة مراد الله من عباده أمرا ونهيا …وقد ظل هذا دأبها حتى أسست الأمة بتلك العلوم حضارة إسلامية لم يعرف لها التاريخ نظيرا ولن يعرف.
ولم يكن ذلك إلا بحسن القراءة في المجالس العلمية؛ امتثالا من الأمة لأمر ربها وتوجيه الصادق المصدوق نبيها صلى الله عليه وسلم.
عشرات القرون مرت الأمة ومجالس العلم تكاد تكون إحدى خصائص هذه الأمة.. حتى كان ما كان، فوقع العالم الإسلامي تحت سيطرة أعدائه، فنُحِّي العلمُ، وأشيع الجهل ُ، وغيرت النوازين وبدلت المعايير ُ؛ هدما للمجتمع الإسلامي وتقويضا لأركانه، بهدم القدوات وتحطيم الرموز.. فكان من أثر ذلك تقديم الصغير، وتلميع الحقير بينما الأكابر في كهوف النسيان منزوون وفي مخابئ الإهمال مجهَّلون .
فحين تغشانا في هذا العصر هذه المجالس فهي سنة حسنة لأصحابها تحيا في الأمة من جديد نرجو لأصحابها أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة إن شاء الله .
(2)
استغن بالمتاح حتى يتيسر المأمول
من دلالات هذا المجلس أيضا الاستغناء بالمتاح الممكن عن المأمول المستحيل. فلقد مانت عذه المجالس تعقد أسبوعيا بنقر الاقسام العلمية بالكليات كل في تخصصه، حتى أطبقت علينا هذه الغاشية (كورونا) فأسكنتنا بيوتنا وألزمتنا ديارنا، ولكن النفوس الكبيرة تأبى أن تضع أيديها على خدها أو أن ترفع الراية البيضاء استسلاما؛ فكان التفكير في عقد هذه المجالس عن بعد استثمارا لأدوات التواصل الاجتماعي، وعسى إن عممت الفكرة أن تتحول يوما ما شيئا فشيئا حتى تغدو أدوات التواصل العلمي! ومن يدري؟ فكل ممكن قريب وإن ظنه الناس بعيدا .
كسر حاجز العزلة وعقد وشائج القربى مع المجتمع
مما هو معلوم بالضرورة في علم التربية أن الجامعات مؤسساتٌ اجتماعيةٌ قبل أن تكون مؤسساتٍ تربويةً، وأن ذلك يقتضي أن تقوم هذه الجامعات – كمؤسسات اجتماعية – بدورها في المجتمع، ولن يكون ذلك إلا بوجود علائق من التواصل بينها وبين المجتمع ومد جسور التعاون وهذا ،مع الأسف، مالم يكن ، حيث أتى على جامعاتنا حين من الدهر لم يكن للمجتمع علم بما فيها ولا تزال ، فكان مضروبا عليها طوق من العزلة بفعل المجتمع أو بفعل اللوائح الجامعية غير المفهومة (كتلك التي كانت تمنع الجمهور من حضور مناقشات الرسائل العلمية أو كتلك التي تحظر الاطلاع على الرسائل الجامعية نفسها إلا للباحثين الجامعيين، وكأن غير الجامعيين محرم عليهم العلم وأن يكون اطلاعهم عليها اطلاعا مباشرا فلا يسمح لهم بالتصوير إلا في حدود عشرين ورقة!! وكأن الرسائل الجامعية من الأسرار العسكرية التي حقها أن تحفظ في ملف العمليات أو المخابرات تحت عنوان “سري للغاية”).
أقول كانت الجامعات مضروبا عليها طوق من العزلة عن المجتمع، وكان لهذه العزلة-مع عوامل أخرى – أثرها في أن ساء رأي الناس في الجامعات عامة، ثم في الأزهريين خاصة.
فجاء هذا المجلس- بتعميمه الدعوة لكل مهتم بالعلم وعدم الاقتصار على الباحثيين الجامعيين فقط، ثم بنشره مسجلا على أدوات التواصل الاجتماعي – كسرا لهذا الطوق من العزلة، وقياما لبعض واجبات الجامعة تجاه المجتمع، ولا يخفى أن أول واجب على الجامعات نشر العلم بين طوائف المجتمع عامة، لا بين طلابها فحسب. وفي ذلك (أي في كسر هذا الطوق) ما فيه من المنافع الجمة والفوائد العظمى، حيث يرى الناس من العقول تتلاقح والأفكار تصطرع وتنناصى، فتستثار للاشتغال بالعلم شهيتهم وتنشرح له صدورهم.
وإنه ليتمادى بي الخيال جامحا إلى غايات بعيدة، فأرى جميع الكليات وقد حذت حذو كلية اللغة العربية بإيتاي البارود، فتعقد جلسات أقسامها العلمية على مرأى ومسمع من الجميع، وإذا الناس بعد حين قد تعلقت أذهانهم شيئا فشيئا بالعلوم على شتى صنوفها فأصبحوا وقد أخذوا من كل علم بطرف، واستنارت عقولهم بألوان مختلفة من أنواع العلوم .فعرفوا للعلم هيبته بعد أن ظلت علاقتهم بالعلم محصورة فيما يسمعونه من خطباء المساجد من أحاديث تحجل في دائرة ضيقة هي الرقائق، وليتها إذ ضاقت صحت، إذن لهان الأمر، ولكنها تجمع كل آبدة وشاردة مما يدهش لغرابته.
وليس خيالي هذا بعيدا؛ فلئن رآه الناس بعيدا فإنا نراه قريبا. فهذا الذي أتمناه أمر ليس بعيد المنال ولا هو من وحي الخيال بل هو مما يؤكده التاريخ ويشهد بإمكانه الواقع.
أما التاريخ فهل بلغ بإسكافي أن يصنف كتابا في الإعجاز إلا لأن مجالس العلم كان يغشاها العامة مع الخاصة، وكم في الزوايا من خبايا، فلكم في العوام من العقول الواعية ما لا يكون عشر معشاره في الخاصة .
وأما الواقع فلقد ساهمت الاستديوهات التحليلية للمباريات الرياضية في اتساع ثقافة العامة بخطط المدربين الدفاعية والهجومية، بما جعلهم يفهمون ما يحدث في الملاعب أثناء سير المباريات وما جعلهم يفهمون أسرار الهزيمة وأسباب النصر.. وهذا ما لم يكن في الماضي حين كانت القنوات تكتفي بنقل المباريات فقط.
فهذا الذي حدث في مجال الهزل أفيستبعد حدوثه في مجال الجد؟ كلا .
(3)
ويبقى اللقاء موصولا مع مجالس العلم في نموذج مشرف منه وهو مجلس قسم البلاغة والنقد المنعقد يوم السبت من كل أسبوع بكلية اللغة العربية بإيتاي البارود.
وما زلنا مع أهم ما لاحظته من أخلاق في هذا المجلس ومنه:
(^) استضافة أساتذة من خارج القسم وإعطاؤهم الفرصة الكاملة للتحدث إفادة لطلاب العلم من موفور علمهم، وفي ذلك ما فيه من استعلاء على نوازع النفس البشرية وما تنطوي عليه من حسد وأثرة، كثيرا ما أضرت بالعلم وأهله، ولا سيما طلابه ، حتى إن كان الطالب أحيانا ليكون حائرا بين أساتذته : يخشى إن هو أثنى على أحدهم أثار غيرة الآخرين، وفي هذا الويل والثبور وعظائم الأمور؛ وإن هو سكت عن الثناء خوفا من وخيم العواقب، وقع فيما يخشاه من إثارة حفيظة من سكت عن ثنائه، وهكذا ..فلا تزال تستبد به حيرته استبداد الحيرة بالزوج صاحب النسوة الأربعة في حضورهن جميعا: على من يثني؟ وبأي شيء يثني؟ وكيف يثني على إحداهن دون إثارة غيرة الأخريات؟ وهيهات هيهات!!
وكم من منافع أهدرت، وحقوق ضيعت، ومصالح أخرت بل ألغيت بما كان من شأن تلكم النوازع البشرية، ولا ينبئك مثل خبير، ومن جرب عرف.
(^) ومما راعني في هذا المجلس أيضا وأخذ بمجامع سروري وتلابيب إعجابي، ذلكم الاحترام السائد بين أفراد المجلس جميعا، على تفاوت ما بينهم: سنا، ودرجاتٍ علميةً، احترامٌ أفاضه الكبار بعضهم على بعض، كما أفاضوه على من دونهم. يتحدث أحدهم فلكأنك أمام نجم يحدث شموسا: هضما لنفسه، وإكبارا لغيره، ثم ينتهي به مطاف الحديث، فيتحدث آخر: فإذا الذي كان منذ قليل نجما بتواضعه، قد صار شمسا بإكبار المتحدث، وإذا المتحدث الذي كان شمسا بإكبار أخيه له قد حار نجما بتواضعه.. وهكذا .
فأنعم بمجلس لا فرق فيه بين كبير وصغير، بل الكبير فيه صغير بتواضعه، والصغير فيه كبير بما ناله من احترام الكبير، وكأنهم بذلك يحققون ما قاله صلى الله عليه وسلم وصفا للمجتمع المسلم في أطيب أحواله: “المسلمون تتكافأ دماؤهم؛ يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم “
ولقد تجلى هذا الاحترام وذلكم التواضع في حديث الجميع، وكان مسك الختام ما ذكره الأستاذ الدكتور أحمد سعد ناجي حين أكبر مجلسا جمع بين السعادة (ماثلة في حديث د/سعيد جمعة) والسلامة (ماثلة في حديث د/سلامة داود) والرفعة (ماثلة في حديث د/رفعت السوداني) ثم سكت هضما لنفسه، ولو كان متكلما لقال: وختم بالحمد والسعد والنجاة (ماثلة في حديث د/أحمد سعد ناجي) وأعوذ بالله أن أكون من المنافقين …
فما أكرم مجلسا يفيض فيه الكبار على عقول الصغار علما وعلى قلوبهم تزكية وأخلاقا، ثم يتيح الكبار للصغار المجال للحديث: تعقيبا، وتعليقا، واستفهاما، وإنه لحقيق أن يعض عليه بالنواجذ وأن تضرب إليه الأكباد .
(4)
وما زال الحديث موصولا حول نفحات مجلس قسم البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بإيتاي البارود.. وفي ها المقطع ندلف إلى النفحات العلمية من بعد أن انتهينا من النفحات الأخلاقية أو هكذا أظن .
لقد كان من أهم ما فاض به المجلس من نفحات علمية ما يلي:
(^) مهم جدا أن تكون الدروس العلمية في مجالس الأقسام العلمية بالكليات مجالس مرتبة، وهذا ما يميز مجلسا عن مجلس؛ إذ ما فتئت بعض الأقسام العلمية تعقد مجالسها العلمية كيفما اتفق بلا ترتيب ولا تنظيم، وهذا يهدر جهود الأساتذة في المناقشة.. فشتان شتان بين مجلس لا يدري حضوره في أي موضوع يتحدثون؟ ومجلس آخر قد حدد موضوعه وأعد كل من الحضور عدته لمناقشة ما سيطرح.
(^) وِفِقَ القسم إلى اختيار هذا الكتاب (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن) من عدة أوجه:
(أ) أن قضية الإعجاز كانت وما زالت شغل البلاغيين الشاغل؛فمن أجل الإعجاز ولدت البلاغة، وبالإعجاز تحيا .
(ب) فيه تنبيه للباحثين إلى أن الموضوع الواحد يمكن أن تختلف زواياه وتتعدد جهات النظر فيه إذا ما تناولته عقول مختلفة، شريطة توفيته حقه من التدبر والنظر…فلقد كان الإعجاز هو القطب الذي دارت حوله رحى الرسائل الثلاث، ومع ذلك كان لكل رسالة مذاقها في بحث الإعجاز وبيان مناطه …أفلا نتدبر نحن ذلك فيقوم للموضوع الواحد عدة عقول واعية تبحثه كل من جهته.. بدلا من أن يغلق البحث في الموضوع لمجرد أن باحثا ما تناوله في رسالة ربما لم تقف منه إلا على شاطئه، فإن كانت رسالة جادة وهيئ لها أن تبحر فيه، فما هو إلا أن تكون قد بلّتْ أقدامها بمائه. هل كان بحث السابق في قضية الإعجاز مسوغا للاحق كي يترك الأمر ويغلق الباب. ولا تقولن: ما ترك الأول للآخر، بل قل:كم ترك الأول للآخر .
(ج) حين يتدارس أساتذة البلاغة – وكلهم ولله الحمد والمنة على مذهب أهل السنة والجماعة – كتابا لرمز من رموز المعتزلة، غير ناظرين إلى مذهبه العقدي -مع حذرهم منه- ففي هذا تعليم للأمة بطريق عملي أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى الناس بها، وأن الاختلاف العقدي لا ينبغي أن يقف حائلا دون التطاعم الفكري والتلاقح العقلي في غير العقيدة ..وفي هذا إحياء لما كان في سلف الأمة حين كان الزمخشري المعتزلي يأخذ البلاغة عن عبد القاهر الأشعري فيطبقها أحسن تطبيق على القرآن الكريم، فيخرج لنا درة من صوب عقله هو الكشاف، فلا تزال الأمة على امتداد تاريخها تتحلق حوله متعلمة منه، مع إقرارها بخطورة ما فيه من أفكار لنصر عقيدة المعتزلة. وعلى الرغم من تهجم الزمخشري في مواضع كثيرة على أهل السنة فإن ذلك لم يمنعهم من الأخذ عنه تجاوزا لموطن التهجم حتى لاحظ شيخ البلاغيين د/ أبو موسى حفظه الله [في محاضرته الماتعة عن مدخل البلاغة في تفسير القرآن] أن الرازي كان ينقل عن الزمخشري، فإذا تهجم الزمخشري على أهل السنة تجاوز الرازي ذلك التهجم، وكأن الزمخشري ما كتب وكأن الرازي ما قرأ. أو كما قال رضي الله عنه.