ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والجبابرة (19)
محمد زحايكة | فلسطين
ريموندا حوا الطويل.. السفيرة المبدعة غير المعلنة
كان الاتصال الأول للصاحب مع ريموندا حوا الطويل من خلال المكتب الفلسطيني للخدمات الصحفية في شارع صلاح الدين حيث كان في بعض الأحيان يصدفها هناك بحكم كونها شريكة فيه .
ومنذ اللقاء الأول يلمس المرء انه يعرف هذه الإنسانة العطوفة والمحبة والمفعمة بالروح الوثابة والطاقة الحيوية المتدفقة، منذ زمن، وهي تدور كالفراشة على كعبيها بحثا عن آخر الأنباء وعن الجديد بما يخدم قضية شعبها ووطنها خصوصا في الأروقة الخلفية أو وراء الكواليس مع جيش الدبلوماسيين والإعلاميين الدوليين المؤثرين الذين تمتلك لغة التواصل معهم بكل أريحية وألمعية ..
من محاسن الصدف أن الصاحب التقى ذات مساء مع ريموندا في ردهات فندق الأميركان كولوني بالقدس حيث كانت في عجقة شديدة بانتظار الإعلان عن استقلال دولة فلسطين العام 1988 في الجزائر وكانت تتواصل تلفونيا مع شخص ما، أظنها كانت ابنتها سهى عقيلة الراحل ياسر عرفات.. وما إن سمعت بالخبر حتى ازداد وجهها التماعا وبريقا وجمالا وراحت تتطاير كالفراشة بين الحاضرين من عرب وأجانب في حالة من الفرح والزهو الشديد.. فيما جلسنا نشرب نخب المناسبة العظيمة ونحن في حالة من الدهشة والفرح وعدم التصديق..
والحقيقة كانت تنتاب الصاحب مشاعر مختلطة في تلك المرحلة شبيهة بالمشاعر التي اجتاحته لاحقا في حقبة أوسلو عندما طار البعض من الفرح واستعجل قطف الثمرة “العجرة” قبل أوانها وراح يعلق أغصان الزيتون رمز السلام على جيبات حرس الحدود فيما هؤلاء يردون على التصرف الحسن بالقبيح؟ وربما كانت خلفية الصاحب اليسارية المتشككة بالحلول السلامية وراء هذه المشاعر الغامضة والملتبسة!
وتمضي الأيام، ويغلق المكتب الفلسطيني من قبل سلطات الاحتلال وتختفي صورة ريموندا عن الواجهة الإعلامية ولكنها تبقى تنشط خلف الظلال رافعة صوت فلسطين في كل المحافل التي تستطيع الوصول إليها.. تعمل بصمت ولكن بجد ومثابرة مثل دبيب وهمة ونشاط النمل الذي لا يعرف الاستكانة.. ويكون لها في غضون ذلك بعض الإصدارات الثقافية والاعلامية مثل كتابها الأشهر “سجينات الوطن السجين” الذي تروي فيه حكايات لمناضلات فلسطينيات خضن معارك النضال والكفاح الوطني.
ريموندا الطويل.. جزء مهم وله خصوصيته في الذاكرة الفلسطينية وخاصة في ميدان الإعلام والعمل الدبلوماسي غير الرسمي؛ فهي سفيرة غير معلنة تمتاز بقدرة إيصال الرسالة والصوت الفلسطيني الحر بعناد وإصرار وجرأة واقناع لكل من يريد أن يقتنع بالحق الفلسطيني الشاهر الناهر.
وستبقى الصورة الساطعة التي رسمتها ريموندا بكفاحها الدؤوب في حقل الإعلام والدبلوماسية “الشعبية ” محفورة على جدران الوطن العالية مهما عصفت بها الرياح العاتية..
كل الحب والتقدير للدور الهام الذي لعبته الاعلامية والدبلوماسية غير الرسمية الماهرة الشجاعة ريموندا حوا الطويل .