قراءة تحليلية لنص (البراق ) لأحمد شاهر

محمود يونس | مصر

 في رحلة البحث عن نص جيد طالعني نص ” البراق ” للشاعر السكندري / أحمد شاهر.
وحقيقة أعرف شاهر كأخ ‘‘ وصديق رحلة إبداع منذ بداية الثمانينات عندما كنا نلتقي في “قصر ثقافة الحرية ” سابقاً ” مركز الحرية للابداع ” حالياً مع كوكبة من عظماء الشعر السكندري دون ذكر أسماء حتي لا اغفل أحد ‘‘ رحم الله من رحل وأطال الله في عمر من علي قيد الحياة.
.. شاعرنا / أحمد شاهر شاعر من شعراء الإسكندرية الكبار الذين اختفوا وراء من تصدورا المشهد وزاحموا المبدعين الحقيقيين.. فهو شاعر خلوق محترم صاحب شخصية واضحة نقية شفافة ‘‘ لايجيد التسلق وطرق الوصول الملتوية ‘‘ شاعر ظلم فعلاً مع أمثاله المبدعين السكندريين الكبار ‘‘ أصحاب الكلمة الراقية المنظومة ‘‘ تلكم الذين حافظوا على قواعد واصول كتابة الشعر .
اولا : النص … كماتفضل شاهر بنشره

والله .. قد بكيت كثيرا و أنا أكتب تلك القصيدة :

( البراق )

إرْكَبْ بُرَاقَ الضِّيا .. فالَّيلُ مسْتُورُ
والفَجْرُ حَامَتْ عَلَي أعْتَابِهِ الحُورُ

لاملجأٌ لِي بهذا الكَونِ غير سمَـــــا
فمسْجدي في طيوفِ الطُّهْرِ محفورُ

و مَرْقَدي فوقَ عُشْبِ النُّورِ مملكةٌ
و مسْبَحي كَوثريُّ المِسْكِ .. بُللــورُ

فارْحَلْ بعيداً .. فلانَارٌ و لانـُــــــورُ
وامْرُقْ لأفقِ السَّنا.. فالعُمْرُ مَقْـدُور ُ

لاتَنْظر الآن صوبَ الناسِ .. لاحَزَنٌ
فالأرضُ ضَجَّتْ بِهَا الأوْهَامُ و الزُّورُ

والظُّلْمُ أمْسي بِنا أفعي تُلـــــــدِّغُنَا
تسْري بأنحائِنا .. تَخْتـــــالُ و تسيرُ

هَذَا زَمَانٌ أتَانَا السَّامِرِيُّ بِهِ
خُوَارُهُ الكُفْرُ .. بالنُّكْرَانِ مَفْطــُـــورُ

وليسَ لِي مِن عَصَا مُوسَي بمُعْجِزةٍ
ولا سليمـــانَ فِي أجْنـَـــــــادِهِ دُورُ

إرْكَبْ بُرَاقَ الضِّيا وارْحلْ .. فلا أملٌ
في الأرضِ مُذْ باغَتَتْ أصْقَاعَها البورُ

ثانياً : القراءة التحليلية المبسطة

النص الذي بين أيدينا نص من الشعر العمودي يحمل صبغة دينية في إطار من الروحانيات والسمو ‘‘ اسماه شاعرنا ” البراق ” فأعطانا مفتاح النص لندخل معه دون إجهاد او فلسفة أو تصدير طلاسم ولوغاريتمات يعاني منها المتلقي المثقف وينصرف عن النص بسببها غير المهتم. ولنعيش معه في الجو النفسي والسمو والرقي بالنفس البشرية.

.. بدأ شاهر نصه مخاطباً نفسه وداعيها لكي تركب البراق حيث الليل و الهدؤ والسكون والعبادة. كما أوضح في صدر البيت الأول ليستخدم البراق ليلاً ” إسقاطأ علي رحلة الإسراء والمعراج ” فمع قرابة الفجر يكون السمو الروحاني والدعاء والاشتياق للجنة ‘‘ والحلم بمتاعها وطواف الحور حول من فازوا بها ‘‘ فلم يعد في الكون سوي الاشتياق للجنة ونعيمها ساعياً لها بالتعبد والسجود في أماكن العبادة الطاهرة

إرْكَبْ بُرَاقَ الضِّيا .. فالَّيلُ مسْتُورُ
والفَجْرُ حَامَتْ عَلَي أعْتَابِهِ الحُورُ

لاملجأٌ لِي بهذا الكَونِ غير سمَـــــا
فمسْجدي في طيوفِ الطُّهْرِ محفورُ

.. ويستمر شاعرنا في الجو الروحاني الرائع الذي يعايشنا معه من خلاله ‘‘ لينام في مملكته فوق العشب حيث الزهد من الحياة والعيش في نور العبادة والطهر والنقاء والاستحمام في نهر الكوثر بماء من المسك الشفاف ناصع البياض. . فنجده هنا استخدم كلمة بللور ولم يترك كلمة مسك دون تعريف لنوعه حتي لا يجعلنا نري صورته في هذا الجو النوراني بصورة المسك الداكن بل جعلنا نراه باللون الشفاف برائحة المسك دون تغبير هيئته أثناء معايشتنا للنص.
كما نتأمل ونلاحظ جمال الكلمات واستخدام الألفاظ ‘‘ عندما استخدم كلمة ‘‘ مسبحي ‘‘ ليحدث وقفة عند المتلقي ولم يستخدم كلمة ” نهر ” او اي مرادف له وهو يستطيع ابداعيا ان يخرج بالكلمة او المرادف من فخ الخلل العروضي ‘‘ ولكنه استخدم مادة سبح لغويا ليكمل جمال التراكيب الشعرية عندما يقف المتلقي وقفة بين ” مسبحي ” و ” مسبحتي ” ليأتي ما بعدها ليوضح المعني.. فقد جعلنا نقف لحظة تفكير ولو برهة في جو المسبحة والتسبيح.

و مَرْقَدي فوقَ عُشْبِ النُّورِ مملكةٌ
و مسْبَحي كَوثريُّ المِسْكِ .. بُللـورُ

.. ثم يدعو البراق ليرحل بعيداً عن جو النار وكل ما يؤدي إليها من الذي نعيشه جميعاً معه حولنا في وضح النور ‘‘ ليقله البراق وينطلق به بعيداً إلى حيث النور فما العمر إلا أياماً معدودات ويدعوه الا ينظر خلفه حيث الأوهام والزور والفساد والظلم الذي يعيشه البشر في غفله ‘‘ فالظلم أضحي أفعى تلدغنا ليسري السم في دمائنا في زمن جعل الظالمين يعيشون في زهو ورغد علي جثث وتعاسة وعناء من ظلموا.

فارْحَلْ بعيداً .. فلانَارٌ و لانـُــــــورُ
وامْرُقْ لأفقِ السَّنا.. فالعُمْرُ مَقْـدُور ُ

لاتَنْظر الآن صوبَ الناسِ .. لاحَزَنٌ
فالأرضُ ضَجَّتْ بِهَا الأوْهَامُ والزُّورُ

والظُّلْمُ أمْسي بِنا أفعي تُلـــــــدِّغُنَا
تسْري بأنحائِنا .. تَخْتـــالُ و تســيرُ

.. ثم يختتم نصه أيضاً بجو القصص القرآني ليعود بنا من خلال ابياته إلى ما نعيشه من زمن أصبح فيه عجل السامري بخوار من كفر ونكران لكل معروف و كل شيء جميل ‘‘ وانحدار للقيم والمبادئ فهو لايملك عصا موسي لتلقف ما يأفكون ولا لديه جند سليمان ليستطيع التصدي به وردع الخارجين والمنتهكين لحرمات الله .
إلى أن يدعو البراق في النهاية لينطلق ويرحل ‘‘ فلا امل في الإصلاح في أرض ضجت بالفساد. فهو لن يستطيع أن يصلح الكون.

هَذَا زَمَانٌ أتَانَا السَّامِرِيُّ بِهِ
خُوَارُهُ الكُفْرُ .. بالنُّكْرَانِ مَفْطــُـورُ

وليسَ لِي مِن عَصَا مُوسَي بمُعْجِزةٍ
ولا سليمـــانَ فِي أجْنـَـــــــادِهِ دُورُ

إرْكَبْ بُرَاقَ الضِّيا وارْحلْ .. فلا أملٌ
في الأرضِ .. مُذْ باغَتَتْ أصْقَاعَها البورُ

ثالثاً : النص من الناحية العروضية

بداية كما تقرأون فشاهر شاعر متمكن من أدواته الإبداعية ‘‘ لغته طيعة معه ‘‘ لديه قدرة رائعة علي أن يجعل من التراكيب الشعرية تابلوة رائع من الصياغة واللغة السليمة والعروض المتقن ‘‘ بما يجعلنا دائماً ننتظر ابداعاته لنحظي بوجبة إبداعية رائعة من خلال نصوصه المتميزة.

.. استخدم شاهر في نظم نصه ” البراق ” بحراً يعد من أجمل وأروع ابحر الشعر من حيث الجرس والموسيقى وهو البحر البسيط لبساطته وسهولته في أذن المتلقي ويطلق عليه أيضاً عندالعروضيين بحر الموال لما اشرنا إليه من وقع نغمي في اذن المتلقي.
وبحر البسيط أساس تفعيلته

مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
المكررة في الصدر والعجز للبيت الشعري العمودي.

استخدم شاهر البحر الشعري بتمكن رائع ولما لا وهو عروضي من الطراز الأول .. ونلاحظ انه استخدم مفردات البحر بالاشكال التي ممكن أن تأتي عليها .. فقد استخدم مستفعلن ومتفعلن.. وكذلك فاعلن أدخل عليها الخبن فجعلها أحيانا فعلن بالمواضع الشكلية المختلفة التي من الممكن أن تأتي عليها وتحريك الشكل اللغوي اذا ما تطلب الأمر ذلك.

وفي النهاية أقدم كل التحية والتقدير والاحترام لشاعر كبير في حجم وقيمة شاهر.
وأتمني أن يقرأ له كل المبتدئين والذين ابحروا في خضم الوهم ليعودوا للتعلم والتمكن وامتلاك الأدوات الإبداعية فليس العيب أن نتعلم.. بل العيب كل العيب أن نستمر ونكابر .
وأرجو ان أكون قد وفقت ولو نسبياً من خلال القراءة المبسطة في إلقاء الضؤ علي شاعر كبير قيمة وقامة ظلم مع الكثيرين مثله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى