استماتة في الدفاع عن البدع وتفريط في السنن
رضا راشد | باحث في اللغة والأدب والبلاغة | الأزهر الشريف
مع إشراقة نور الصباح بدا لي أن ألقي نظرة سريعة على رسائل الوثاب(الواتساب )، فرأيت رسالة لطيفة من صديق لا تبلى مودته قد بدأها بقوله:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخيرات والبركات”
فكان هذا جوابي:
معذرة ..أرى كثيرا من الإخوة يستعملونها كثيرا، ولكنى لا أوافقهم، حتى وإن سبقت بالسلام؛ لأن شفع السلام بها يوحي بأنها تكملة له. وإذن، فهو اتهام خفي للسلام بأنه ناقص في أداء التحية ..
انتهى تعليقي على كلامه.
وقد ردتني هذه الرسالة إلى ما قبل سبع عشرة سنة عندما كان لي زميل في معهد كوم حمادة الأزهري مولعا بالبدع وتسويغها، قد دخل علينا يوما فقال: (صباح الخير ) فأنكرت عليه ذلك تعريضا خفيا، فقلت :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال: وماذا في صباح الخير ؟ أليست دعاء جميلا من أخ لأخيه؟!
فقلت: فيها أننا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، حيث نجعلها بديلا لما شرع الله لنا من سنة السلام وحدد لنا الشرع ألفاظها.
فقال-محاولا التفلت من قبضة مأزقه-:ولكننا لا نستبدل بها السلام ، بل نجعلها قرينة للسلام.
فقلت: إن الواقع ينافي؛ فإننا لم نسمع أحدا ممن يستعمل هذه التحية يشفع السلام (تحية الإسلام) بصباح الخير، بل ما هو إلا “صباح الخير” وحدها لمن يستعملها، بدليل أنك اقتصرت عليها الآن وحدها .فإن سلمنا-جدلا- بأن ذلك كائن(أي واقع وحاصل) ففيه اتهام خفي لتحية الإسلام بأنها غير كاملة في أداء التحية وتحقيق المودة؛ ولهذا تشفع بما يكملها، فكان أن دخل آنئذ في مراء لا يسمن ولا يغني من جوع، شفاه الله وعافاه، فهو مريض الآن.
ثم كان بعد أيام من هذا الحديث أن دخل علينا حجرة المدرسين زميل يتهلل وجهه فرحا بعد أن بشر بغلام طال شوقه إليه، حيث كان قد بلغ من الكبر عتيا دون أن ينجب، فهنأناه ثم حاولت أن أذكره ببعض السنن التى يستحب فعلها عند الولادة، فإذا بالزميل-الذي كان منذ عدة أيام مستميتا في الدفاع عن صباح الخير وتسويغها(أي تبريرها)- يقول بالحرف الواحد:
“أنت هتخلق لنا خِلَق يا شيخ رضا؟!
فقلت له: يا شيخ فلان ده مش خِلَق، ده سنن.
ثم أغضيت منكفئا على أحزاني من هذا التناقض الفج: (استماتة في الدفاع عن البدع وتفريط في السنن)، فما حررني من أسر الحزن إلا ما تذكرته من قول أحد السلف: إن القلب لا يحتمل نور السنة وظلمة البدعة؛ فإن استنار القلب بنور السنة طردت ظلمة البدعة وإن حضرت ظلمة البدعة خرج منه نور السنة والعياذ بالله.
أيها المسلمون
دونكم هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم فعضوا عليه بالنواجذ، ولا يلفتنكم عنه عاداتٌ ذميمة قد فرضت علينا فرضا، أو تسربت إلينا في تلافيف الجهل ثم شاعت بيننا تحت وطأة الهزيمة النفسية التى نحن مبتلَوَن بها، مصطلَوْن بنارها، وحسبكم وصف الله عز وجل للسلام بأنه تحية من عند الله مباركة طيبة .
زادنا الله وإياكم تمسكا بسنة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ونبذا للبدع الضلالة .